خليفة:تعديل قوانين سلامة الغذاء

لفت وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة الى ان "سلامة الغذاء والماء والدواء مشكلة موجودة في العالم وقد تمّت معالجتها. ولكن المطلوب في لبنان إيجاد قواعد واضحة ومجدية للوصول الى الهدف، خصوصا أن القوانين المتعلقة بها والمعمول بها لم تعد تلبي الحاجة، والصلاحيات والمسؤوليات متضاربة. وهذه السلامة سلسلة متكاملة ومترابطة ولا يمكن إهمال حلقة واحدة منها، وما علينا فعله هو إنشاء مؤسسة عامة تتمتع بهيكلية مستقلة عن كل الوزارات ترفع تقاريرها بشكل مستقل الى كل الوزارات، وتطلب في المقابل دعم الوزارات وتبادل النصائح، حتى يتم تعديل المراسيم بشكل مستمر"، مؤكداً أن "قانون سلامة الغذاء لم يقر الى اليوم لأنه يعاني بعض النواقص وتنازع الصلاحيات".
وشدد في حديث الى "المستقبل" أمس، على أنه "يجب تغيير العقلية السائدة والاعتماد على الوسائل العلمية والالكترونية الموجودة لتطبيق الرقابة، فمعالجة الامر يمكن أن تتم تقنيا لمنع حصول المخالفات، وفي حال حصلت يجب أن تأخذ العدالة مجراها بشكل علني ليكون هناك رادع في وجه من يستهتر بحياة المواطنين". وفي ما يلي نص الحوار:

ما هي الثغرات التي تعانيها معالجة سلامة الغذاء في لبنان، وعلى من تقع المسؤولية؟
ـ موضوع سلامة الغذاء عالمي، وله اسس تم تخطيها عالميا وقواعد للتقويم، وعلينا مقاربته في لبنان بشكل علمي وواضح. للأسف عند حصول أي حادثة غذائية يتفاعل كل المجتمع اللبناني لمدة أسبوع أو أسبوعين، يحصل بعدها حادث آخر يطغى عليه ويهمل الى حين ظهوره في وقت لاحق. سلامة الغذاء والماء والدواء مشكلة موجودة في العالم، والمطلوب منا هو إيجاد قواعد واضحة ومجدية للوصول الى الهدف. كل دول العالم واجهت المشكلات نفسها، الى أن توصلت الى وضع قوانين تسير بطريقة تلقائية بعيدا عن المزاجية أو الرجوع الى المسؤول نفسه، والمطلوب في لبنان هو إيجاد قوانين تنسجم مع القوانين العالمية. فالقوانين المتعلقة بسلامة الغذاء والمعمول بها في لبنان لم تعد تلبي الحاجة، وإن كانت موجودة في بعض الاماكن. والقوانين مبعثرة في بعض الاماكن وكذلك الامر الصلاحيات والمسؤوليات متضاربة. ببساطة كل الدول قامت بوضع آلية واضحة لعدم حصول هذا التضارب. اليوم لا يمكن لأي وزارة في لبنان أن تقول انها تقوم بواجباتها كاملة لكن الخلل يحصل في مكان آخر بعيدا عنها، لأن سلامة الغذاء والدواء والماء هي سلسلة متكاملة ومترابطة ولا يمكن إهمال حلقة واحدة منها لأن ذلك يعني إنفراط سلسلة الرقابة المترابطة والمؤلفة من حلقات متماسكة. لذلك عندما يقال ان مصلحة حماية المستهلك ووزارة الزراعة والصحة والاقتصاد تقوم بواجباتها، يكون ذلك صحيحاً، لكننا لم نحصل على النتيجة التي نريدها، لأن الآلية المطبّقة في لبنان لم تعد قادرة على ضبط هذا الموضوع، هذا من الناحية التقنية، ولهذا السبب أنشئت في كل دول العالم مؤسسات مستقلة تضم هيكلية تعنى بكل هذه الامور المتعلقة بالسلامة والرقابة على الغذاء والماء والدواء وصحة المواطن بشكل سليم وبقوانين، ووفق آلية متراصة ومتماسكة بشكل يمكن الوصول الى المبتغى.

 ما هي الطريقة الامثل لتطبيق هذه الآلية التي تتحدث عنها؟
ـ لدى لبنان مشروع قانون لإنشاء مؤسسة الرقابة على سلامة الغذاء والدواء والماء، وتمت إجتماعات عدة وهناك بعض الشوائب، لأن أي مؤسسة تؤسس في لبنان تعترضها خلافات حول الصلاحيات وسلطة الرقابة والى أي مجلس تتبع، لمجلس الوزراء أو مجلس النواب او رئاسة الجمهورية. العالم تخطى هذه الحسابات وهذا ما علينا فعله، لإنشاء مؤسسة عامة تتمتع بهيكلية مستقلة عن كل الوزارات وترفع تقاريرها بشكل مستقل الى كل الوزارات، وتطلب في المقابل دعم الوزارات وآراءها وتبادل النصائح، على أن تضم مركزاً للدراسات يرصد كل جديد على الصعيد العالمي المتعلق بالغذاء والصحة ليصار الى اقتراحها على الوزارات حتى يتم تعديل المراسيم بشكل مستمر، لأن الملف الصحي والغذائي ليس ملفا ثابتا بل ديناميكي. في لبنان التسمم الذي يحصل هو الذي يتم توثيقه في مختبرات المستشفيات. ففي وزارة الصحة مثلا هناك ما يسمى الترصد الوبائي، وهناك بعض الميكروبات للأمراض التي على الطبيب عندما يشخصها أن يرفعها فورا الى الترصد الوبائي. وعادة يكون التسمم له علاقة بالسلمونيلا والتيفوئيد والتسمم المعوي، وعمليا ما من إنسان يتسمم ويصير عنده إصابة جدية إلا ويدخل المستشفى، وإذا تم تشخيصه بالمستشفيات فالاعداد معروفة. والاعداد الفعلية إذا قارناها بالاعداد الموجودة على موقع وزارة الصحة الاميركية او في بريطانيا أو أوروبا ، فإن الارقام متقاربة ولكن هذا لا يعني أن المواد المستهلكة تتمتع دائما بالمواصفات المطلوبة ولكنها لا تؤدي الى تسمم، لأن هناك آثاراً طويلة المدى ناتجة عن طبيعتها وتركيبتها التي لا تظهر إلا بعد سنوات، وبالتالي المواد المستهلكة إذا لم تتمتع بمواصفات معينة قد تؤدي الى أمراض بعد عدة سنوات.

هل ما يحصل في لبنان نتيجة ثغرة في عمل إحدى الجهات المسؤولة عن إدخال المواد أو الرقابة عليها؟
ـ لا يمكن دخول مواد فاسدة الى أي بلد ومنها لبنان بالصدفة وعن طريق شخص واحد، بل يكون هناك إرتباط لعدة أشخاص لحصول هذا الامر. مثلا قد يكون هناك مواد سليمة عند إستيرادها ولكن قد يتم الاحتفاظ بها لفترة أطول من مدة صلاحيتها، أو قد لا تخضع لشروط التخزين السليم، وبالتالي العمل على ضمان المواد الغذائية يبدأ من بلد المنشأ وحتى وصولها الى فم المستهلك. ما يحصل عادة لا يمكن تصدير أي سلعة إلا بعد صدور شهادات واضحة لفعاليتها من بلد المنشأ، وإعتراف من الجهات المختصة بالجهة المنتجة، وشهادة صحية من الدولة المصدرة وشهادة بأن إنتقالها تم وفق المواصفات الصحية. في لبنان يمكن إنشاء مؤسسة مهمتها مراقبة كل هذه المراحل التي تطبق عالميا، وتأمين التواصل مع السفارات من أجل التأكد من أن نقل هذه المواد يتم بطريقة سليمة، وعندما تدخل الى المرافئ اللبنانية وتجرى عليها الفحوص اللازمة، بمعنى آخر هناك خطوات وآلية عالمية تطبق في هذا المجال يمكن التقيد فيها، ومن خلالها يمكن رصد أي ثغرة خلال وصول المواد الغذائية الى لبنان، سواء من خلال تاريخ وصول المواد او إعادة تصديرها عن طريق الترانزيت، أو لماذا تم رفضها من دول معينة، وعندما تدخل المواد الى لبنان يجب أن تحصل رقابة على تخزينها ولائحة بالجهات التي يتم بيعها لها، كما يجب أن يكون هناك سجل إلكتروني لحفظ المواد، بمعنى آخر يجب تغيير العقلية السائدة والاعتماد على الوسائل العلمية والالكترونية الموجودة لتطبيق الرقابة.

برأيكم كيف سينتهي هذا الملف في لبنان؟
ـ في ما يتعلق بسلامة الغذاء، العامل الاول هو العامل الاخلاقي، والدولة تراقب لضمان سلامة الغذاء وليس لتطبيق نظام بوليسي، وفي حال حصول المخالفات يجب أن تتم المحاسبة وفق القوانين المرعية ويجب أن يعرف الموطن والرأي العام ماذا حصل، فمنذ فتح هذا الملف في لبنان بدأنا نسمع أن هناك موادّ فاسدة موجودة في مكبات النفايات وهذا يعني أن أصحاب هذه المواد يريدون التخلص منها حين تحركت أجهزة الرقابة، لأنه يعرف ان ما يقوم به يدينه، ولكن إذا تم السكوت عن هذه الامور وتمت لفلفتها فالكل يتشجع على ممارسة المخالفات لأنه يعرف أنه ليس هناك محاسبة ولا هيبة للدولة.

إذن معالجة الامر يمكن أن تتم تقنيا لمنع حصول المخالفات، وفي حال حصلت يجب أن تأخذ العدالة مجراها بشكل علني وواضح ليكون هناك رادع في وجه من يستهتر بحياة المواطنين. والسؤال هو هل يمكن لوزارة او جهة واحدة تطبيق هذين المعيارين؟ بالطبع لا، هناك دائما ثغرات ناتجة عن عدم ترابط حلقات التواصل بين الوزارات تؤدي الى هذا النوع من الفساد. وهذا الامر يتكرر، وقبل تحديد المسؤولية علينا التفتيش عن الخطأ الذي يحصل، وبالتالي علينا أولاً إيجاد الالية لعدم تكرار الخطأ، من خلال بذل كل الوزارات المعنية جهدها ووضع ملاحظاتها لإنشاء، ووضع هيكلية مؤسسة مراقبة سلامة الغذاء والماء والدواء، لأن الوضع الحالي لا يمكن تحديد المسؤولية. قانون سلامة الغذاء الموجود في لبنان لم يقر الى اليوم لأنه يعاني بعض النواقص ويجب مناقشة هذا القانون وتنازع صلاحيات، ولذلك بدل الغرق في تنازع الصلاحيات فلتجمع هذه الصلاحيات والقوانين ضمن مؤسسة عامة يجتمع على الوصاية عليها كل الوزراء المختصين ليمدوها بالمعلومات التقنية الموجودة عندهم، شرط أن يتولى المهام في هذه المؤسسة أهل الاختصاص ويتحملون المسؤولية أمام الوزارات، ومن دون هذه المؤسسة ستتكرر المشاكل حول سلامة الغذاء في لبنان سواء عن قصد أو غير قصد.

هل ستتم معالجة الملف كما يجب، أم سيقتصر الامر على القول إن هناك مؤامرة إسرائيلية لضرب السياحة في لبنان؟
ـ هذا أمر غير وارد، علينا تطبيق آلية الرقابة بشكل سليم للوصول الى نتائج سليمة، أما القول ان هناك مؤامرة كونية على لبنان، فهذا كلام غير دقيق. هناك خلل في لبنان في الرقابة علينا تصحيحه والاستعانة بتجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال. لا أحد يشعر نفسه متهماً، بل إن الآلية لضبط هذا الموضوع غير موجودة.

السابق
لا مكان لـ«القاعدة»
التالي
وثائق وبرامج 14 آذار