البابا الراحل

في غيابه عن الساحة المصرية ورعيته القبطية، سيترك البابا الراحل شنودة الثالث بطريرك الاسكندرية والكرازة المرقصية فراغا روحيا وسياسيا تحتاج اليه مصر ويحتاج اليه العالم العربي في ظل الاحداث الكبرى التي يشهدها من مشرقه الى مغربه.
سيرة الرجل ومواقفه تستحق ان توصف بالتاريخية لأنها كرّست مفاهيم ثقافية وسياسية ستظل تترك اثرا كبيرا على مصر وعلى وجدان المواطن العربي. ومن ابرزها مواقفه من القضية الفلسطينية ومن احتلال القدس ومن الصراع العربي – الاسرائيلي، حيث قدّم بالفعل والممارسة نموذجا مشرقا للمسيحي المشرقي المتجذّر في المنطقة، والذي ينظر الى نفسه على انه من اساسيات المشرق ومن اهله واصحابه الاصليين.
وفي هذا السلوك البابوي القبطي ما يستند الى فهم عميق لتاريخ المسيحية والمسيحيين، وفي دورهم وتراثهم وذاكرتهم.

وفلسطين هي منبع هذه الذاكرة ومهد سيدها السيد المسيح، والمسيحي المدرك لهذه الابعاد مثل البابا الراحل لن يحار في اتخاذ المواقف التي اتخذها من الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين.
لعلّ الوقت الذي رحل فيه البابا شنودة غير مناسب على الاطلاق، ففي ظل تصاعد الصراعات بين الهويات الضيقة، والدفع بالمنطقة نحو الشرذمة والتفتيت على اسس مذهبية وطائفية وعرقية وجهوية، تحتاج مصر والمنطقة لصوت له رصيده الكبير في العالم العربي والاسلامي، صاحب خطاب توحيدي وحدوي، ونظرة شاملة لواقع بلادنا وما تتعرّض له من اعتداء دائم عليها وعلى ثرواتها ونسيجها الوطني والاجتماعي والثقافي.
وبهذا المعنى كرّس البابا الراحل ويكرّس مفهوم المواطن الذي ينتمي لقضايا بيئته وإقليمه ويستخدم الاختلاف الثقافي في سبيل التفاعل الايجابي مع المواطن الاخر المختلف.
البابا شنودة «مواطن» مصري عربي مسيحي خسره العرب والمسلمون وسيفتقده المصريون كثيرا في المقبل من الأيام.

السابق
186 طناً من المواد والمنتجات الغذائية الفاسدة بأقل من عشرة أيام..نتيجة الفساد السياسي!
التالي
هل يلتقي نصر الله-المصري قريبا؟