مهرجان انطلياس للكتاب تذكّر سليم غزال في ذكرى غيابه

الذكرى الأولى لغياب المطران سليم غزال، لم يشأ مهرجان أنطلياس أن تمر من غير أن يوجّه إليها التحية.
ووصفه مدير الندوة الدكتور ناصيف قزي بـ"رجل الحوار وداعية السلام والراعي الصالح"، و"الرسول الذي أرسى ثقافة المحبة والانفتاح في صيدا وجوارها، وامتدادًا إلى قرى الجنوب والجبل… في الأيام الكالحة من تاريخنا المعاصر، وقف غزال وحيداً في وجه التنِّين، ذاك الذي أوقع الفرقة بين اللبنانيّين، لينتشي برائحة الدم المهدور ظلماً… وعلى رغم قذارة الحوادث التي أرغمته على الابتعاد قليلاً، ولفترات قصيرة، فقد تحقق ما كان يصبو إليه وما عمل مع كل الخيِّرين لأجله. عاد المهجّرون المسيحيّون إلى شرقي صيدا وإقليم الخروب في بداية التسعينات… ليعود بونا سليم أكثر ثباتًا وإصرارًا وعزيمة على إعادة اللحمة إلى مجتمع أحبّه حتى الرمق الأخير… فكانت "حركة التنمية والحوار" عام 1990… وكان مقرها العام في بلدة مجدليون عام 2001… تاريخ انتخابه مطراناً ثم معاوناً بطريركياً الى العام 2006. وكان قبل ذلك قد تسلم الرئاسة العامة للرهبانيّة المخلصيّة بين عامي 1995 و2001".
رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام درويش كانت له كلمة أعلن فيها "انتماءه إلى نهج الراحل وفكره وعودته إليه مراراً ليملأ قلبه من زيت محبته ودفء قداسته".
"مناضل كبير في سبيل المحبة والألفة بين المسيحيين والمسلمين… اختاره السيد المسيح ليجعله وكيلاً في الجنوب والشوف على إعادة الأخوّة بين البشر وترميم ما دُمّر من الحجر"، بهذا اختصر درويش الراحل الذي "أعاد الأمور إلى مجراها الطبيعي، مدفوعاً بشجاعته واتكاله على الله". وسرد ترميمه دير المخلّص ودار العناية، و"ما حبّه ترميم الحجر إلا لجعله في خدمة البشر". هؤلاء البشر الذين "كان تعامله معهم مبنياً على المحبة والتواضع… هكذا ترك الأب سليم ثماراً يشتهيها كل من يسعى إلى الأخوّة الصادقة، وترك على لسان معارفه صفات كثيرة، منها أنه كان صادقاً مع ذاته ومع الآخرين، وصريحاً ومتواضعاً وذا قلب رحيم… كما ترك لنا طريقة عمل اجتماعي رائدة وشخصية لا يمكن اختزالها بهوية واحدة، إذ إن هويته كانت الإنسان ودينه دين الإنسان".
"مزايا الفقيد على صعيد الفكر وعلى صعيد الممارسة عديدة جدا… كما أن سيرة حياته غنية جداً بالمواقف والأعمال المميزة"، قال النائب السابق الدكتور أسامة سعد الذي تناول منها "البعد الوطني الذي تميزت به هذه الشخصية… وتتمثل اولا في تمسكه بالعيش الواحد لأبناء الوطن الواحد، وليس العيش المشترك الذي يشير إلى الاختلاف وإلى إعطاء الأولوية للانتماء الديني على الانتماء الوطني… ففي حصص الدين التي كان يعطيها خلال مرحلة معينة من حياته في عدد من المدارس الرسمية، لم يكن الحضور من التلامذة المسلمين أقل عدداً من زملائهم المسيحيين.. هو رفض الانعزال والفرز السكاني على أساس طائفي. وهو ما دعا الفقيد إلى استنفار كل طاقاته من أجل إبقاء المسيحيين في بيوتهم في منطقة شرقي صيدا، ومن أجل إعادة المهجرين والنازحين إلى قراهم. وعاد الجميع إلى بيوته وقراه بسرعة قياسية".
وأعاد رئيس حلقة التنمية والحوار إميل اسكندر نجاح غزال إلى "إيمانه العميق بربه الذي تجسّد برغبته القوية في لقاء الناس على دروب الحياة من خلال كاريزما مميزة في ملامح وجهه وطريقة حديثه وابتسامته الدائمة التي لا تفارق محياه".
وجه آخر اكتشفه اسكندر في الراحل إبان حوادث 1975 هو "عناده في الدفاع عن الحق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإنسان المظلوم أو المقهور أو المعتدى عليه. وقد تجلّت هذه الثوابت في محطات عديدة من خلال موقفه الداعم للشعب الفلسطيني أو من خلال دعمه لعودة المهجرين إلى قرى شرق صيدا ومناطق الشوف بعد الانسحاب الإسرائيلي واندلاع أعمال العنف التي أدت إلى نزوح آلاف العائلات المسيحية".
ثقة الناس حازها في رأي اسكندر لأنه "كان صادقاً مع نفسه ومع الناس، ثابتاً في موقعه". واختزل مسيرة الراحل بمشروع واحد هو "مشروع الإنسان".
أمين سرّ اللجنة الأسقفية للحوار الإسلامي المسيحي الأب الدكتور أنطوان ضو، قلّب صفحات في حياة الراحل الذي "تعلّم ثقافة الحوار والعيش المشترك في مدرسة الحياة"، من نشأته في مشغرة، إلى دخوله الرهبنة المخلصية في دير المخلص، إلى بدئه نشاطه الرسولي في صيدا والجنوب. ورأى أنه "جاهد في سبيل بناء الجسور والمساحات المشتركة في الجنوب، كما في كل لبنان، لحماية مقدسات الوحدة الوطنية، ومقاومة الاختلافات السياسية والدينية والاجتماعية في الداخل، كما جاهد مع مواطنيه ضد الاحتلال الاسرائيلي للجنوب وللمشروع الصهيوني العنصري العدواني في فلسطين وسائر المشرق".
شخصية غزال "جعلته أبًا محبوبًا لأنه أحب جميع الناس فأحبّوه، ونادوه باستمرار "أبونا سليم"، على قول ضو الذي ختم: "انتمى غزال الى قضايا الانسان والكنيسة والوطن والمواطنة والعروبة والكونية”.
على مقلب آخر، كان تكريم القاضي عفيف شمس الدين الذي قدّمه القاضي بشارة متى، معتبراً أنه "يشحذ عصاميته ويكسر الرتابة في فكره وفي تطلعاته، ويمتطي صهوة طموحه. شقّ طريقه بنضج تأتى له باكراً، وبحكمة وصبر نادرين… وفي القضاء وكأنه وصل إلى الساحة المنشودة، راحت عطاءاته تتفتح، فحمل ميزانه ومشى في رحلة العدالة". وفي كتبه "رحيق المحاكم يتلألأ في صفحات مشعة سهلة المنال للقاضي والمحامي".
أما المحامي جورج بارود فقال: "لم أر شمس الدين يخرج يوماً على هدوئه، وهو لم يُسمع صارخاً أو يشاهد غاضباً، فكان دوماً يشكل للمتقاضين الضمانة في تطبيق القانون، مع أنه تولى ملفات شائكة، لا سيما أثناء رئاسته الغرفة الجزائية في محكمة التمييز… كنت أسأل نفسي عن سرّ هذا القاضي الشاب الذي لا يتوانى عن عقد جلسات المحاكمة حتى في أحلك الظروف الأمنية".
وفي التواقيع، وقّع الدكتور عصام خليفة كتابه "لبنان المياه والحدود 1916-1975".
  

السابق
حمادة: لولا الديمقراطية في لبنان لما أتيح لنصرالله حيازة السلاح
التالي
تطابق المراجعة مع أولويات اليونيفيل