كيف ننهي المهمة في أفغانستان؟

قد يفقد البشر أعصابهم في بعض الأوقات، كما فعل الرقيب الأول في الجيش الأميركي في تمام الساعة الثالثة صباحا يوم الأحد الماضي، عندما غادر قاعدته الواقعة خارج قندهار وبدأ في قتل المدنيين الأفغان في نوبة واضحة من مشاعر الغضب والإحباط، ولكن لا ينبغي على الدول أن تفقد أعصابها. فحتى تحت وطأة حرب ينظر إليها أحيانا على أنها تسير بشكل خاطئ تماما، ينبغي على الدول التحرك بحذر كي لا تترك وراءها المزيد من الفوضى والجثث.
تظهر بعض الأحداث الأخيرة في أفغانستان مهمة الجيش الأميركي في أسوأ صورها: التبول على جثث الأعداء وحرق المصاحف عن طريق الخطأ وقيام جندي مخبول بمذبحة ضد المدنيين، حسبما أذيع. يمكننا القول إن معظم الجنود الأميركيين لم يقوموا بمثل تلك الأفعال وإنها أمور نادرة الحدوث. ولكن هذا لا يغير حقيقة أنه في هذه اللحظات يمكننا أن نرى كيف تحط الحرب من قدر الرجال والأمم المحترمة.
لا يكمن السؤال بالنسبة لصناع السياسة في طبيعة الحرب ولكن في كيفية إنهائها. وهنا من المرجح أن تكون ردود الفعل الغريزية التي ظهرت في هذا الأسبوع مضللة، بمعنى أنها قد تدفع إلى اتخاذ قرارات متسرعة، والتي قد تؤدي بدورها إلى المزيد من الخسائر في أرواح المدنيين. يعتبر الانسحاب تحت النار خطرا في جميع الأحوال، وبخاصة ذلك الانسحاب الفوضوي الذي يتغاضى عن استراتيجيات الانسحاب السابقة.
هذا هو السبب الحقيقي وراء كون الاستنتاج المفاجئ لنيوت غينغريتش الذي مفاده أن الحرب ليست «أمرا عمليا» في غير محله على وجه الخصوص. ما الذي كان يراه ممكنا هنا؟ إذا كان يريد أن يرغم طالبان على الاستسلام بالطريقة الذي استسلمت بها اليابان على البارجة الأميركية «يو إس إس ميسوري» في الحرب العالمية الثانية، فإن غينغريتش يفكر بعقلية القرن الماضي.
لقد قال الرئيس الأميركي أوباما يوم الثلاثاء، إنه ينوي «إنهاء هذه الحرب بصورة تنم عن تحمل للمسؤولية»، حيث اتفق مع حلفائه في الناتو على نقل دور القتال الرئيسي إلى الأفغان بحلول منتصف العام المقبل وبسحب معظم القوات الأجنبية بنهاية عام 2014، وهي الخطة التي صاغتها الولايات المتحدة بالتعاون مع أهم شركائها. لا يجب على الأميركيين تجاهل هذا الأمر بسبب شعورهم بالغضب أو الظلم أو الخجل من تلك الأحداث الأخيرة.
لقد كانت الاستراتيجية الأميركية تهدف إلى تحديد شكل أفغانستان التي سنتركها بعد انسحابنا منها في 2014. إن تحول هذا البلد إلى فوضى بعد الانسحاب يكاد يكون أمرا مؤكدا. غير أن تجربتنا في العراق علمتنا أن هناك فارقا بين الفوضى القاتلة والخارجة عن السيطرة التي سادت في 2006، وبين الفوضى تحت السيطرة في عام 2011، عندما انسحب آخر جندي أميركي من العراق. إن الحرب الأهلية التي كان يخشاها الكثيرون لم تندلع بعد.
وكما كان الحال في العراق، تأمل الولايات المتحدة في خلق ظروف يمكنها أن تحتوي تلك الفوضى. وبالنظر إلى التاريخ الدامي لأفغانستان، قد يعتبر الوجود الأميركي هناك مهمة غير مجدية، ولكنها تستند الى بعض الأفكار المعقولة، مثل بناء جيش أفغاني جيد بصورة كافية للمحافظة على كابل، والبقاء على اتصال مع جميع الأقاليم، والتفاوض على مشاركة السلطة السياسية مع طالبان للحيلولة دون قيام حرب أهلية، والعمل مع الدول المجاورة لأفغانستان على بناء جدار حماية لمنع أعمال العنف التي لا مفر منها من زعزعة استقرار الإقليم.
إن تنفيذ تلك الاستراتيجية أمر صعب، وازداد صعوبة بعد مذبحة يوم الأحد، ولكنه ليس أمرا مستحيلا، حيث إن الوضع الراهن ما زال يبدو أفضل من البدائل الأخرى، وهي حتمية نشوب حرب أهلية أو تقسيم البلاد أو كلاهما. تأمل الإدارة الأميركية أيضا في الإبقاء على قوة خاصة بمكافحة الإرهاب في أفغانستان لكي تستطيع منع «القاعدة» من إعادة إرساء منطقة آمنة لها. يعتبر هذا هدفا يستحق الحرب من أجله، على الرغم من أن النموذج العراقي غير مشجع فيما يخص احتمال إبقاء بعض القوات هناك.
عندما يفكر المرء في كيفية إنهاء الحرب في أفغانستان، فمن المفيد أن يأخذ في الاعتبار ثقافة أعدائنا. تجيد قبائل البشتون بدء الحروب ولديهم أيضا بعض الطقوس لوقفها. تكمن الفكرة الجوهرية فيما يطلق عليه البشتون اسم «ناناواتاي»، (أو حق اللجوء)، حيث يقوم أحد المقاتلين بشكل رمزي بالذهاب إلى بيت المقاتل الآخر لتسوية الخلاف. إن التسوية المستقرة هي تلك التي تحقق توازن الشرف، والتي يصفها أوباما غالبا بعبارة «المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل».
يعقد مارك غروسمان، مبعوث أوباما الخاص في أفغانستان، مناقشات سرية مع حركة طالبان منذ أكثر من عام. وحتى يوم الأحد الماضي، بدا أن تلك العملية تسير في الاتجاه الصحيح نحو افتتاح طالبان مكتبا لها في قطر والبدء في محادثات سلام حقيقية. ومما لا شك فيه أن هذا المسار سيصبح أكثر صعوبة بعد الاهتياج الذي حدث يوم الأحد الماضي، والذي أعطى المتشددين من حركة طالبان ذرائع جديدة لمقاومة تلك المفاوضات.
يعقد غروسمان محادثات مع دول الجوار أيضا حول بناء كيان ما للحيلولة دون التفكك المستقبلي لأفغانستان. لا يزال هذا الإطار الإقليمي يبدو ممكنا، حتى إذا فشلت المحادثات مع طالبان.
إن الخيارات الدبلوماسية غير مؤكدة، تماما مثل العمليات العسكرية الأميركية على الأرض، ولكنها جزء من استراتيجية الانسحاب التي تبدو منطقية حتى بعد كارثة يوم الأحد التي وقعت في قندهار.
  

السابق
لماذا لم تتدخل تركيا؟
التالي
حمادة: لولا الديمقراطية في لبنان لما أتيح لنصرالله حيازة السلاح