دولة حزب الله قضمت ثوار الأرز تدريجاً

كبير حمل قادة 14 آذار، بحسب كبر آمال وطموحات، جمهورٍ أمَنَ، من خلال لحظة جامعة، بأن مصير بعض الأحلام التحول واقعاً، وكبيرة إخفاقاتهم بحسب كبر أحلام غير مكتملة، لجمهورٍ واسع، في بناء وطن، يشكل بقعة للحرية والسلام. وكبيرة إخفاقات قادة 14 آذار، بحسب تمنيات رأيهم العام، في أن يروهم، متراصي الصفوف، وموحدي النظرة والأهداف، لإلتقاط إشراقات "الربيع العربي"، ومواجهة مخاطر مخاضاته على تنوعها.

لا يمكن أحد أن يُلغي إنجازات "ثورة الأرز" وهي كثيرة ومتعددة، ولكن في المقابل لا يُمكن أحد تجاهل فشل قادة "ثورة الأرز" في تجيير التكليف الشعبي وتحويله مشروعاً سياسياً يتعاطى مع الواقع، كما هو، ويطرح الحلول الجريئة للتعاطي مع حساسياته ومخاطره.

ولعل فراغ "ساحة الشهداء" في الذكرى السنوية السابعة لإنطلاق أكبر حراك شعبي في تاريخ لبنان، ما هو إلّا مؤشراً يضاف الى مؤشرات سابقة تمثلت بتفكك قادة هذا الحراك وسعي غالبيتهم، الى التميّز، خوفاً من الذوبان في مشهد ثوري، يعيد تشكيل ملامح الحركة السياسية، فتَمَسك كلٌ بطائفته، ومذهبه، وتمترس وراء مصالح حزبه وتياره وحركته، وحُرم شباب 14 آذار من حوار حقيقي، وفي العمق، وهم الآتون من خلفيات متناقضة، ومتاريس فكرية وتاريخية متنازعة، وأُستعيض عن محاولة توحيد المجتمع أو المجتمعات، بعمق وشفافية، بإئتلاف شخصيات وأحزاب بعضها قيد التشكيل، وبعضها يحمل إرثاً ثقيلاً، حفل بالنزاعات والتناحر ومشاريع بسط النفوذ، وإصطدم هذا الإئتلاف بآلة قتل عمياء ومجرمة، وبتكتل مجموعة من القوى الموالية للنظام السوري، خلف تنظيم متكامل، هو دولة ضمن الدولة، أي حزب الله، الذي قضم ثوار الأرز تدريجاً، من خلال إستمالة التيار الوطني الحر، بديناميته وشعبيته في العمق المسيحي، ومن ثم دفع النائب وليد جنبلاط في تحييد نفسه عن أحزاب 14 آذار لمجموعة أسباب داخلية بعضها مرتبط بإنسداد الأفق وبعضها حفاظاً على السلم الأهلي، والبعض الآخر مرتبط أيضاً بإيقاع جنبلاط ودينامية زعامته، لتُمنى "ثورة الأرز" بنكستين كبيرتين .

وبغض النظر عن الأسباب، وإستناداً الى النتائج، يُخطيء المؤتمنون اليوم على حركة 14 آذار، في الاعتقاد أن جمهورهم هو خزان إنتخابي إستراتيجي وحسب، يتم اللجوء إليه في الإنتخابات، لأن هذا الجمهور خزلهم جزئياً عندما صوت للوائح التيار الوطني الحر في العمق المسيحي عام 2009، وإذا لم يتداركوا أخطاء الماضي وهي كثيرة، ويستعدوا لتحديات الحاضر والمستقبل القريب، وهي داهمة، قد يخزلهم مجدداً وعلى صعيد أكبر في إستحقاق 2013 الإنتخابي، وهنا لا بد من الإشارة الى أن تظاهرة الرابع عشر من آذار هي من أعاد العماد ميشال عون من المنفى، وهي من أخرجت الدكتور سمير جعجع من المُعتقل، وليس العكس، وهذه الجماهير التي تعاطفت مع زعيم منفي وآخر مُعتقل، تبدو اليوم مذهولة وخائبة بسبب تجدد التراشق الإعلامي والسياسي على خلفية مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من الأزمة السورية، وهي التي كانت تأمل بتوحيد الجهد والمشروع المسيحي بمباركة بكركي ومسعاها للمساهمة في توحيد الجهد في إتجاه مشروع بناء الدولة. وهنا لا بد من التوقف عند مسألة حيوية وحساسة، وهي طريقة تغير مواقف صرح بأهمية بكركي ورمزيتها، بحسب تغيّر هوية الإنسان، الذي يتولى سدّتها، من دون الإلتفات إلى تاريخية النهج او مأسسته أو إستمراريته، خصوصاً آبان الأزمات، وهل من أزمة أخطر مما نشهده اليوم. وهنا يعيش مجتمعنا بكامله بحسب رؤى الشخص، وطموحاته ومخاوفه، والى أي موقع إنتمى وعلى أي حزب أو تيار تزعم. فها هو العماد ميشال عون يدور بجمهوره وماضيه 180 درجة، والأمثلة هنا كثيرة على تغير الطروحات بحسب الطموحات، طموح الشخص. وها هو تيار "المستقبل" يخوض مواجهة لإخراج مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الذي بدوره غيّر مواقفه…

تفتقر حركة الرابع عشر من آذار أيضاً إلى فعالية وسائل الإعلام لمحاكاة الرأي العام وصناعته، فبالنسب المئوية، يبدو الميزان مائلاً بقوة لفريق 8 آذار والعماد عون، وإذا إحتسبنا نسب مشاهدة أخبار الـ" نيو. تي. في" والـ "أو. تي. في" و"المنار" والـ"أن. بي. أن" فهي تفوق بنحو الضعف مشاهدة نشرات أخبار "المستقبل" والـ"إم. تي. في"، وهنا وضعنا الـ"إل. بي. سي" على الحياد، لكن حيادها الظاهري ما هو الّا تأييد مبطن للعماد ميشال عون و8 آذار، لتكون السيطرة الإعلامية الفعلية شبه مطلقة للفريق المناهض لقادة 14 آذار.

لن نغوص في إشكاليات الساحة السُنيّة، وقد خصصنا العدد المنصرم من "حدث الجمهورية" لها، ولا في تهميش الليبرالية الشيعية والفشل الذي منيت به 14 آذار في محاكاة غير المنتمين من الشيعة الى مشروع "حزب الله"، وهي أيضاً من العثرات والفراغات التي إعترضت المؤتمنين على "ثورة الأرز"، وتهميشهم لعدد كبير من الحركات الأهلية والمجتمعية والمفكرين والناشطين، لتتقلص الثورة وتلد تكراراً للروتين الذي ساد ما قبلها، فالوجوه هي هي، والشعارات هي هي، والمناكفات هي هي، والشعارات أكبر من المشاريع، والوعود أكبر من القدرة على التنفيذ، وهنا لا بد من الإشارة الى أنه تاريخيا، بقيت غالبية المجتمعات اللبنانية في المربع غير الحزبي، واذا استثنينا تجربة حزب الله في خلال العقدين المنصرمين، وهي تجربة أقرب الى عسكرة المجتمع أكثر منها دينامية حزبية بالمعنى السياسي، والتي تتشابه في بعض وجوهها مع العسكرة التي قام بها الرئيس الراحل بشير الجميل للمجتمع المسيحي بين 1976 و1982، لن تنجح الأحزاب مهما تنظمت وتأطرت في جذب جماهيرية كبيرة، ولا في إحداث التغيير المطلوب، لإنها ستفشل في إختراق الطائفية والمذهبية من جهة، وستغرق في تناحر داخلي من جهة أخرى.

وهنا بين من يرى أن شرارات "الربيع العربي" إنطلقت من "ثورة الأرز"، وبين من يعتبر أن حلم 14 آذار إندثر في اليوم التالي، يبدو لبنان اليوم في حاجة إلى ربيعه الخاص، ربيع يُخرِج الرأي العام العريض من متاريسه الوهمية، ليضغط على القادة والمسؤولين السياسيين والروحيين، ويفرض عليهم توحيد الرؤى، ولو بالحد الأدنى، تمهيداً لدوران عجلة بناء الدولة الحقيقية، من دون تهميش أي مكوّن لبناني لأن مشاريع الدويلات فشلت سابقاً ومصيرها الفشل لاحقاً".  

السابق
«التربية» تطلق دليل الطالب الفلسطيني إلى المؤسسات التعليمية
التالي
مادلين مطر: «لكل مكان سعره، وأنا تقاضيت أرقاماً كبيرة»!