السلفيون الجدد أسلوب جديد في الحرب على الأمة

لم أشعر بالصدمة وأنا أقرأ وأسمع الخطاب الديني للبعض وأعني بكلمة "البعض" مَن يدعون أنهم علماء دين من أهل السنَّة والجماعة والذين تصح عليهم تسمية السلفيين الجدد تيمناً بـ"المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة الاميركية. هذه المجموعة الاميركية المتطرفة التي قادت حملة الحقد والكراهية ضد العرب والمسلمين في أواخر القرن الماضي وشنت الحروب المدمرة مباشرة أو مداورة في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان باسم السلفية المسيحية المرتكزة على المفاهيم التوراتية.

ومن يتابع أدبيات "السلفيين الجدد" المذهبية يرى إلى أي درك من مدارك الجهل والتجهيل والحقد ونكران الآخر وصلت أدبيات وسياسات هذه المجموعات الدخيلة على المجتمع في بلاد الشام أو سورية الطبيعية. وهي مجموعات لا علاقة لها بالمعنى الحقيقي لكلمة السلف الصالح لأن افرادها لا يمكن أن يتشبهوا بالصفات الجليلة للصحابة ولا يمكن أن ينتموا إلى تاريخ يضم رجالاً عظماء في تاريخ الاسلام لعبوا أدواراً عظيمة في تاريخ الأمة وغيروا مجرى التاريخ في مقارعتهم للأجنبي الغازي.

ونتيجة لهذا الشحن اللامنطقي أصبحنا نسمع أصواتاً من هؤلاء القلة في الأمة تنادي بشن الحرب على أبناء دينهم من المذهب الشيعي كونهم يخالفونهم في النظرة إلى بعض الأمور والتفاسير الدينية، ويجاهر بعضهم بفتوى الصلح مع اليهود لأنهم أهل كتاب. بل إن هناك اسوأ من هذا عندما يخرج إلينا أحد مدّعي الاسلام من "السلفيين الجدد" ويقول بأن "المسلم السني" في بلاد البنغال أقرب إليه من أبناء وطنه الشيعة لأن الأول ينتمي إلى أهل الملة والثاني يوالي إيران التي تناصر قضايانا القومية. أوليس هذا النوع من التفكير التكفيري الكفر بعينه؟

هذا الكلام الخطير الذي يصدر عن هذا البعض في لبنان وسورية لم يكن ليخرج إلى العلن لولا نسبة الشحن المذهبي غير الطبيعي الذي تبثه القنوات الفضائية المتواجدة في بعض دول الخليج، ويشاركها في هذا الهجوم غير الأخلاقي عدد من الجمعيات والمنتديات الالكترونية المذهبية المنتشرة في معظمها في منطقة الخليج العربي.

إن هذا الهجوم لم يأت عن عبث. بل أتى بعد أن أيقنت الولايات المتحدة الاميركية بأنه لا يمكن هزيمة التحالف الوثيق بين المقاومة الوطنية اللبنانية ، وسورية وإيران والمقاومة في قطاع غزة إلا من خلال إثارة النعرات المذهبية فكان القرار ببدء حرب مركزة على هذا التحالف الرباعي مجنِّدين لذلك الوسائل الاعلامية والتقنية والدينية كافة التي كانت تهيأ طوال السنوات العشر الماضية والتركيز، على أن هذا التحالف يعمل لتحقيق الهلال الشيعي الممتد من إيران حتى لبنان، ويهدد المحيط السني العربي في الخليج والمغرب العربي ومصر وما تبقى من دول العالم العربي، مستهدفا طريقة حكمهم وحكوماتهم وطريقة عيشهم.

ومع بدء هذه الحرب الجديدة في المنطقة تخلت اميركا عن أسلوبها القديم بالتدخل المباشر في الدول التي تناصبها العداء وبدأت باتباع نظريتها الجديدة بالحروب غير المباشرة، ودعم ما يسمى "بالثورات الشعبية" من الداخل مستخدمة دولاً هجينة وعملاء مأجورين تربوا في كنفها. والأمثلة كثيرة على "السلفيين الجدد" الذين يستغلون الاسلام لخدمة التحريض والكذب. كالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس اتحاد علماء المسلمين، الذي يجهز الفتاوى حسب الطلب، فدعا علناً إلى قتل الرئيس معمر القذافي خلال الأحداث في ليبيا وها هو يكرر الشيء نفسه في الأحداث التي تمر بها سورية، متناسياً قول الله في كتابه الكريم: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".

إنني على يقين، أن معظم أبناء أهل السّنّة والجماعة لا يزالون يؤمنون أن "اسرائيل" هي عدونا الأول والأخطر، ولا يمكن أن يكون أهل السّنّة كلهم على أسلوب إيمان وممارسة شيخ الفتنة يوسف القرضاوي، ولا يمكن أن يكونوا كمفتين لبعض الديار العربية. لا بل إن الكثيرين من أهل السنة أقرب في إيمانهم إلى مفتي سورية، الدكتور أحمد بدر الدين حسون، وفضيلة الدكتور محمد سعيد البوطي، ومفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ محمد رشيد قباني، والشيخ ماهر حمود في صيدا.

إن الهدف من هذه الحرب الجديدة هو تغيير البوصلة في تعريف العدو والصديق. بحيث تصبح "إسرائيل" هي الصديق والحليف وتصبح سورية هي العدو. ولكنهم خسئوا، لأن وعي الشعب أقوى من مؤامراتهم وإعلامهم وفلسفتهم التكفيرية.

ستنتصر سورية لأنها أرض الحق والخير والجمال ولأن "الله المحب والعادل حاميها".   

السابق
سورية.. هل بات الانقلاب العسكري وشيكاً؟
التالي
الرئيس الإسرائيلي «بيرس» يسقط جدلية «الشعب المختار»