الدكتور جهاد بنوت: أجمع الوثائق لأحافظ على تاريخنا

بداية العمل على جمع الوثائق والمجلات والمخطوطات والصور القديمة عند الدكتور جهاد بنوت كانت هواية كما أن الورقة القديمة كانت تستهويه وتشده إليها، وعلى مرّ الزمن راح يميز بين الأوراق الحديثة والقديمة كما راحت الصورة القديمة تجذبه كي يحتفظ بها. يحدثنا ويقول لقد أقمت علاقات كبيرة مع الأشخاص الذين يجمعون الكتب والأوراق القديمة والذين كانوا يتعاملون مع الورقة بشيء من الحنين والصداقة لها. كما لفتني أنهم كانوا يميزون ورقةٍ وأخرى ليس فقط من حيث تاريخها بل لأهميتها.
وأذكر أنني تعرفت على شخص سعودي من آل الشيخ وكان من كبار جامعي الكتب في العالم العربي وكان يجد لذة عندما لمس الورق القديم وكنت ألاحظ عليه عندما يمرر يده على الورق كيف يشعر بالسعادة وأكثر ما كان يسعده هو أن تكون الورقة بدائية وحروفها نافرة… وتبين لي لاحقاً ان الإنسان ممكن أن يبني صداقة مع الكتاب ليس فقط عن طريق مضمونه وإنما من ناحية إخراجه وشكله وتاريخه. وكثير من الناس الذين عرفتهم كانوا يهتموا بشكل إخراج الغلاف والرسومات عليه إضافة إلى كيفية "الخياطة" أو التشبك في أوراقه. إضافة إلى تاريخه القديم وهذا ما جعلني أحب الكتاب.

عاشق الوثائق
• لديك اليوم مجموعة كبيرة من الأوراق والوثائق والكتب القديمة، إلى أي فترة تعود أقدم وثيقة لديك؟
أنا استهويت موضوع المخطوطات منذ بداية مشواري مع جمع الوثائق وإنما لم أعشق المخطوطات منذ زمن بقدر ما عشقت الوثائق لأنني لاحظت أن الوثائق بشكلها ومضمونها تعطينا إثباتاً مع التاريخ. وكنت قد بدأت جمع الوثائق منذ عقدين ونيّف؛ واليوم بات لدي مجموعة جميلة من الوثائق من حقبات وحضارات مختلفة، عربية وغير عربية وقدم وثيقة أملكها اليوم تعود إلى العام 850هـ وهي وثيقة مكتوبة في القدس وتخص معاملات بين سكان هذه المدينة.
• من أين حصلت عليها؟
بعد أن عرف الناس أنني أجمع الوثائق وأدفع ثمنها غالياً، راحت تردني عروضات كثيرة ورحت أشتري الوثائق التي اقتنيت كمّاً كبيراً منها ومنها واحدة تعود للعهد المملوكي.
 معرض بالمصادفة
• شاركت مؤخراً بمعرض في الإمارات لماذا تم اختيارك للمشاركة بهذا المعرض وماذا تضمن هذا المعرض؟
أُحبّ أن أشير إلى أن مشاركتي في هذا المعرض كانت عن طريق المصادفة، فأنا أملك غاليري في منطقة البسطة "حبروورق". وأعرض فيه بعض الوثائق والصور والأوراق، ويمر شخص من دولة الإمارات وصوّرها وللصوره ويتم التعارف بيننا ويلاحظ كمية وقيمة الوثائق التي أملكها ووعدني خيراً بالمشاركة في معرض في الإمارات وهذا الشخص هو فنان إماراتي اسمه خالد البنا وهو فنان ونقل صورة الوثائق في الغاليري للشارقة وبعد فترة اتصلوا بين للمشاركة في مهرجان الفنون الإسلامية وهو مهرجان يعقد للمرة التاسعة على التوالي في الإمارات والمهرجان تضمن أعمال فنانين ومشاركين على المستوى الإسلامي والعربي المتخصصين بفن "المنمنمات" وهذا شعار المهرجان لهذا العام. وكانت مشاركتي فاعلة بعرض مقتنياتي التي أعجبت الحضور وقد عرضت 22 وثيقة عثمانية تغطي أربعة قرون في الفترة العثمانية.
• هل ترى أن لبنان يجب أن يقوم بمثل هذه المعارض وتعمل على تشجيع من يجمعها؟
بالطبع، وأقول أننا لا نلقى تشجيعاً من الدولة لاعتبارات متعددة، كما لا نرى دعماً لهذه الأعمال. والمبادرات تكون دائماً فردية. وإنما في الشارقة نجد أن الدولة تدعم الفنانين والموهوبين والهواة بشكل دائم من حيث إقامة المعارض والمساعدة والتشجيع… ولكن في لبنان مع الأسف الرعاية خجولة ومحدودة ولا يوجد ما يسمى بالتبني للحركة الفنية.

ثلاثة اتجاهات
• أنت تجمع هذه الوثائق وتدفع مقابلها اموالاً كثيرة؟ هل ستبيعها يوماً ما أم ستضعها في مركز دراسات أو تستثمرها تجارياً؟
جمع هذه الوثائق موضوع له ثلاثة اتجاهات أولاً أنا أهتم لجمع الوثائق لأنها تؤمن لي مصادر ومراجع للكتابة، فأنا كنت قد نشرت عدة كتب هامة وقمت وأقوم بعدة أبحاث ودراسات تاريخية وهذه الوثائق تؤمن لي مصادر ومراجع. وثانياً أنا أحب أن يستفيد الآخر من الوثائق الموجودة لدي وأنا أملك صوراً عديدة وقديمة وأقدمها بطريقة الإعارة لمن يطلبها، وأشجع الباحثين وأدعمهم بالكتب والوثائق بشكل دائم. وثالثاً بالطبع عندما يفيض عني وثائق وكتب لا أحتاجها ولا تكون ضمن اختصاصي، طبعاً أفضّل أن أبيعها أو أستبدلها بكتب ووثائق أخرى تخدم دراساتي التاريخية.

وثائق قانونية وشرعية
• هل كل الوثائق الموجودة لديك حصلت عليها من لبنان وهل لديك وثائق حصلت عليها من دول اخرى بطريقة غير شرعية؟
أنا أحرص دائماً أن تكون الأوراق التي اشتريها لها بُعد قانوني وأن تكون شرعية. لذا أنا أشتري وأجمع الأوراق من أصحاب البيوت التي تملك أرشيفاً عائلياً خاصاً، وهناك أشخاص لا يهتموا للأرشيف وللأوراق القديمة، وأنا أحصل عليها أو أشتريها بطريقة شرعية.
• ماذا عن كميات الكتب والوثائق الموجودة لديك وهل تحفظها بطريقة مدروسة من حيث التهوئة للمحافظة عليها؟
الموضوع يحتاج جهداً كبيراً وأنا أقوم بتنظيم أرشيفي وحمايته وحفظه بطريقة جيدة، والوثائق أحفظها في المعرض أما الكتب فموجودة في المستودعات.
• هل سنرى معرضاً خاصاً لمقتنيات دكتور جهاد بنوت عدا غاليري "حبر وورق" المعرض الدائم في منطقة البسطة، وهل هناك مشاركات لك جديدة في معارض عربية؟
أنا اليوم أحضِّر لمعرض خارج البلاد وأعمال على إقامة معارض متخصصة داخل لبنان ويمكن أن تكون عن تاريخ لبنان وتاريخ الدولة العثمانية وما شابه ذلك.
• ماذا عن الخطوات المستقبلية لعملك؟
سأحاول جمع الوثائق وأرشفتها وتصويرها كي يستفيد منها الآخرون، وسأعمل على المشاركة المتعددة في الدول العربية ليتسنى لكل العرب أن يشاهدوا مقتنياتي.
كلمة أخيرة؟
أنا أدعو كافة الزملاء الذين يتعاطون بهذه الهواية أو أي موضوع له علاقة بالمعرفة أن يضعوا ما يملكون بأيدي الباحثين والكتّاب نظراً لما تشكله هذه الكتب والوثائق من مصادر للمعرفة والمعلومات وهذا يساعد على كتابة تاريخنا كما أطلب من أصحاب البيوت التي تملك أرشيفاً قديماً أن تحافظ عليه.

(كادر)
د. جهاد بنوت
هو من بلدة المروانية الجنوبية، درس في فرنسا وحاز على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية ودبلوم من فرنسا في السياسات العامة. يدرِّس حالياً مادة تاريخ لبنان السياسي الحديث ومادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية. شارك في عدد من المؤتمرات المحلية والعالمية المتنوّعة. له عدة كتب منها حركات النضال في جبل عامل، كتاب توثيقي عن أدهم خنجر، وحركة امل (قصة حركة إصلاحية…) عشرة أجزاء، ويقوم اليوم بكتابات وأبحاث تاريخية هامة. وأيضاً يقوم بجمع كتب الرحّالة والكتب القديمة إضافة إلى المخطوطات والوثائق القديمة.
 

السابق
نبيل: تجربة كلفته كثيراً ومازال في طور المعالجة
التالي
وليد البني: فليبعد نصر الله أسلحته وعناصره الذين يشاركون في قمع الانتفاضة السورية