هل تعلم اسرائيل ما قد ينتظرها خلف “فاطمة”؟

… ومن الضفّة الغربية انتقلت الحكاية الى الحدود اللبنانية. بوابة فاطمة التي ما زال حديدُها يحتضن صرخات نسوة الجنوب كانت شاهدةً طوال الأسابيع القليلة الفائتة على حراكٍ إسرائيلي قرب بلدة كفركلا سرعان ما تظهّرت صورةُ أهدافه بجدارٍ إسمنتي مسلّح أرجِئ موعدُ استئناف بنائه ثلاث مرّات، وفي الأمس كانت الرابعة مبدئيًا.

الأكيد أن أيًا من مواصفات هذا الجدار المزعوم طولاً أو عرضًا لن تكون كافيةً لمنع نشوة رشق الحجارة المعشّشة في نفوس الجنوبيّين عند البوابة الشهيرة. والأكيد أيضًا أن أيًا كانت الأبعاد السياسية والأمنية لهذه الخطوة الطارئة التي تندرج الى حدٍّ بعيدٍ في خانة عمليّة العزل (في الضفة الغربية وسيناء)، لا تخيف الأهالي الذين بات الخوف يهجرهم حين يزورهم حسبما يقولون.

"مباركة" البناء
كيف بدا المشهد الميداني عند بوابة فاطمة في الساعات القليلة الفائتة؟ وأيُّ أبعادٍ وماهياتٍ لمثل هذه الخطوة؟ وأيُّ مهمّةٍ تضطلع بها قوات حفظ الطوارئ "اليونيفيل" خصوصًا أنها كانت عرّاب لقاءٍ ثلاثيٍّ "بورك" خلاله استكمال بناء الجدار سلميًا ومن دون أيّ تشنّج أو دعساتٍ ناقصة؟

طغى البعدُ النفسي
إذاً مطلع شباط الماضي انطلقت حكاية ذاك الجدار عندما تولّت "اليونيفيل" قبيْل الاجتماع الثلاثي وضع قيادة الجيش اللبناني في أجواء إقدام إسرائيل على بناء جدارٍ إسمنتيٍّ قد يلامس ارتفاعه الأمتار العشرة وامتداده الكيلومتر الواحد. تلك الخطوة التي لم يفهم الكثيرون توقيتها، حملت من الإرجاءات ما صعّب تكهّن نوايا الجانب الإسرائيلي. ففيما تظهّر سببٌ من أسباب الإرجاء المتكرّر في القصف العشوائي الذي انتهجه الجيشُ الإسرائيلي على غزّة من أيامٍ معدودة، طغى البُعد النفسي على ما عداه من الأبعاد على مستوى التوقيت.

الأمنُ الذاتي
لا يُسقِط المتابعون وراصدو حراك العقليّة الإسرائيلية فرضيّة تمسّك إسرائيل بأمنها الذاتي وبنوع خاصّ على الحدود اللبنانية وعلى طول الخطّ الأزرق بُعيْد حوادث عدّة لم تكن مبشّرة بالنسبة اليها ومنها حادثة العديسة وأحد النكبة وأخيراً استنفار الجيش اللبناني وعناصر اليونيفيل عقب تعرّضهم لرشق حجارةٍ من بعض عناصر الجيش الإسرائيلي. ويرتبط ذاك البُعد الأمني ارتباطًا وثيقاً بالإسقاطات النفسيّة التي تُفرغها إسرائيل على الحدود التي عبرتها منذ 6 أعوام خائبةً تبحث عن كيفيّة استرداد جنديّيْن أو في أحسن الأحوال جثّتيْ جنديَّيْن.

والسيادة اللبنانيّة؟
بعيدًا من الغوص في ماهيّات بناء الجدار، لا يبدي الجيش اللبناني حسبما تظهّر من اجتماع الناقورة الأخير أيّ خشيةٍ من مواجهةٍ محتملة طالما أن "قوات حفظ الطوارئ كانت شاهدةً على اللقاء، وطالما أن آلية تشييد الجدار لا تتطلّب من الجانب الإسرائيلي اختراق الخطّ الأزرق أو انتهاك السيادة اللبنانية برّاً"… ذاك الانتهاك سرعان ما تجسّد يوم أمس تحديدًا تزامناً مع فرضية استكمال البناء في تحليق الطيران الإسرائيلي ورمي القنابل المضيئة الهادفيْن الى جسّ النبض عشيّة انتشار خبر استئناف الأعمال على طول الحدود، وهي الأعمال التي سبق لفريقٍ هندسيٍّ أن "أوطرَها" وحدّد تفاصيلها ونقاطها وأرسى علاماتها الفوسفورية في زيارةٍ مفاجئةٍ للموقع الذي سيحتضنه الجدار الفاصل بين كفركلا ومستعمرة المطلة الإسرائيلية. علمًا أن الخط الإزرق لا يتطابق مع السياج الشائك في أكثر من نقطة في كفركلا.

تلافي التصعيد
أما على جبهة "اليونيفيل"، فتكتفي قيادتُها بالتشديد على أنها ستضطلع بحماية الحدود اللبنانية والخطّ الأزرق وفق ما هو منوطٌ بها. وفي هذا المضمار، أكد نائب الناطق الرسمي باسمها أندريا تينانتي لـ "صدى البلد" أن "أمر بناء الجدار حُسِم في اجتماع الناقورة الأخير منذ أسابيع، ولكن حتى الساعة لا مؤشرات خاصّة في حوزتنا عن مواصفات الجدار أو تاريخ استكمال تشييده. أما نحن فنحرص على اتخاذ كلّ التدابير والإجراءات اللازمة على طول الخطّ الأزرق حرصًا على عدم حصول أيّ توتّر بين الطرفيْن اللبناني والإسرائيلي، وكنا خلال الاجتماع الذي تداعينا اليه أخيراً شدّدنا على أننا سنكون على الخطّ الفاصل وعلى أننا سنتبنّى التدابير الكفيلة بتقليص حدّة التوتر وتلافي أيّ سوء تفاهم أو تصعيدٍ خلال انطلاق أعمال تشييد الجدار".

لا ننسّق مع أحزاب
وعمّا إذا كان الجدار يشكّل في أيّ جانبٍ من جوانبه خرقاً للسيادة اللبنانية لفت تينانتي الى أن "الإتفاق على التفاصيل التقنية تمّ فعلاً خلال اللقاء الأخير، بمعنى أن الطرفيْن موافقان على ما ستفضي اليه الأعمال ميدانيًا. كما أننا سنكون موجودين هناك حرصًا على تطبيق ما خلص اليه الاجتماع وعلى عدم خرق السيادة اللبنانية". وعمّا إذا كانت لحزب الله وجهةُ نظرٍ في هذا الموضوع قال تينانتي: "لا ننسّق مع أحزابٍ لبنانيّة بل فقط مع الجيش اللبناني، والنتيجة أننا توصّلنا الى اتفاق متفاهَم عليه كليًا من قبل الطرفيْن، من دون أن تكون لدينا حتى الساعة أي تفاصيل تقنية". وأردف: "حتى الساعة لا خطوات ميدانية من الجانب الإسرائيلي وعلينا انتظار بدء الأعمال وفق ما هو مخطّطٌ لها. لا فكرة لدينا عن موعد انطلاق البناء ولكن المهمّ الآن توصُّلنا الى اتفاقٍ حول آليّة البناء".

يزيدُ الحزب رصيدًا
ليس أهالي الشريط الحدودي وحدهم من تتفاوت آراؤهم من ذاك الجدار الذي من المفترض أن يبصر النور قريبًا، بل ينسحبُ ذلك على مراقبي تطوّر الخطوة الإسرائيليّة في إطار نسقيٍّ يبدأ بالداخل الإسرائيلي وبالأراضي المحتلّة وتتسع رقعته الى أزمات العالم العربي وصولاً الى حزب الله. ففي رأي هؤلاء "ليس من صالح الحزب توتير الأجواء، فالجدارُ لن يؤثر عليه بل يزيدُه رصيداً ويحمل في طياته بالنسبة اليه اعترافاً بخوفٍ إسرائيليٍّ فعليٍّ من قوّته، وأبعد من ذلك يعكس اقتناع قادة الدولة المحتلة بأن الحزب ما فتئ يسلّح نفسه بشراسةٍ ويدعَم خططه باستراتيجياتٍ ولوجستيّاتٍ لن تصل اليها أمّة بني إسرائيل برمّتها".

هواجس "اليونيفيل"
في المقابل، لا تخفي بعضُ القيادات في صفوف قوّات الطوارئ هاجسَها من السيناريوهات التي قد ترتسم عقب بدء أعمال البناء خصوصًا في الشارع الجنوبي من ردود فعل. ويتجلّى هذا الهاجس في محاولاتٍ عدّة علمت بها "صدى البلد" يقودُها قائد إحدى القوّات لجسّ نبض الطرف اللبناني وردّ الفعل المرتقب خصوصًا في صفّ حزب الله والجمهور الشيعي وأهالي القرى المجاورة، من خلال وقوفه على آراءٍ عدّة مطّلعة مسبقاً على ما قد يتظهّر في الأفق الحدودي أو ربّما مستندة الى تحاليلها أو تسريبةٍ من هنا وأخرى من هناك".

"برغشة وقاطعة"
لا يعيرُ الحزب وجمهوره أهميّةً لمثل هذه الخطوات ولا يعلّقون عليها حتى، بل يكتفون بتوصيفها "بالبرغشة وقاطعة". فالحزبُ يعلم في قرارة نفسه أن ما يحدث ليس سوى إسقاطٍ نفسيٍّ لما يخشاه الإسرائيليون أنفسهم مما يختبئ خلف تلك الأمتار المعدودة التي تفصلهم عن المعبر الذي اخترقوه في تموز 2006 وعادوا أدراجهم عبره خاليي الوفاض.

لا بذور خوف
تعكسُ المشهديةُ الحدوديّة التي تخترقها بزّاتٌ مرقّطةٌ وقبّعاتٌ زرق أن ذاك الجدار "الافتراضي" لا يزرع أيّ بذور خوفٍ في نفوس أهالي الحدود… أقله هذا ما يؤكده موسى شيت رئيسُ بلدية كفركلا لـ "صدى البلد" وهي القرية المحاذية مباشرة لأعمال التشييد. ويؤكد شيت أن "الحدود لم تشهد حركةً غير طبيعيّة يوم أمس، كما أننا كأهالٍ لم نعرف أيّ تفاصيل عن موعد بناء الجدار أو مواصفاته حتى الساعة ولكن الأكيد أنهم يؤجّلون البناء من دون أن نتلمّس الأسباب. عدا ذلك، نقف كأبناء القرية مراقبين غير خائفين وكأن شيئًا لا يحصل. لن نُعير الأمر أهمية رغم أن أمتاراً قليلة جدًا ستفصل أقرب بيوتنا عن موقع البناء".

"بلا منظرُن"
لا شكّ أن الجدار، متى ارتفع سيكون كفيلاً بعزل المناطق التي سيمتدّ على طولها عن الداخل الإسرائيلي، وهو الهدف المنشود أصلاً من هذه الخطوة. بيد أن هذه الرؤية وإن كانت محمّلةً بدموع عيونٍ ترمق بعضًا من أبنائها الذين لا يزالون "جوّا" تشكّل -شاء من شاء وأبى من أبى- عامل انكماشٍ سياحيٍّ لبعض المقاهي والمطاعم. هذا ما تؤكده إحدى قاطنات مرجعيون لـ "صدى البلد". ولكن في المقلب الآخر، يبدو الجوّ العام أقرب الى اللامبالاة: "مش فارقا معنا، بلاهن وبلا منظرُن أصلاً هيدي الأراضي المحتلة مش أراضيون".

هل تعلم؟
في النتيجة إسرائيل ستبني عزلةً جديدةً على الحدود اللبنانيّة هذه المرّة، ولكنها ستخسر في المقابل نقطةً من بحر خياراتها التجسّسية… فهل تعلم إسرائيل وقاداتُها ما ستخبّئه لها الجهة الخلفيّة؟   

السابق
حوري:العبور الى الدولة هو الحل الحتمي لكل الامور
التالي
الأمن الغذائي الى الواجهة