بابا عمرو بين الصراف والبغلي

لم أتوقع أن تكون رؤية الزميل مصطفى الصراف «القومية» كما وردت في مقاله «العويل على المحاصرين في بابا عمرو» بهذه القسوة على هذه المنطقة المنكوبة. كما لم أتوقع كذلك أن تكون رؤية الزميل علي البغلي بهذه اللامبالاة حول الشأن السوري، كما ورد في مقاله «مجلس الطرح الطائفي البغيض». المقالان نشرا في القبس بتاريخ 2012/3/7.
الزميل الصراف كان دائما قوميا في نهجه الذي ينشره أسبوعيا في القبس، إلا أن رؤيته حول الشأن السوري أخذت تحمل رائحة قوية ومؤذية للمشاعر. وقد بلغت قسوته أن أصبح يرى أن تعاطفنا الإنساني مع الأطفال والنساء والرجال في منطقة بابا عمرو، التي دكتها مدفعية نظام الأسد، وقتلت من قتلت وشردت من شردت، عويلا مؤذيا لسمعه، ومكدرا لأحاسيسه.
ويبدو أن الزميل الصراف هو من النوع الذي يرى أن الموساد والصهيونية والمخابرات الأميركية تدير شؤون بيوتنا من دون أن نعلم، وتخطط حتى لعلاقتنا مع أزواجنا وأبنائنا.
فهؤلاء المعذبون في بابا عمرو ما هم إلا «مجموعات من المرتزقة ممن كانوا يقاتلون في العراق ضمن الشركات الأمنية، والذين هم في حقيقتهم جنود مرتزقة يقومون بتنفيذ العمليات القذرة، التي لم يكن يستطيع الجيش الأميركي بسبب القوانين العسكرية، ويتلقون أوامرهم سرا من الموساد الإسرائيلي، وبعض السياسيين الأميركيين الصهاينة». وينتقد الصراف «الصراخ والجري إلى المنظمات الدولية المهيمن عليها من قبل الصهيونية العالمية، كمجلس حقوق الإنسان، ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة».
أما زميلنا وصديقنا، النائب السابق والوزير السابق – علي البغلي «الليبرالي» التوجه، فبعد أن بدأ موضوعيا في مقاله، لم يستطع إلا أن يبوح بما في نفسه، لاغيا موضوعيته السابقة ممتدحا بآخر مقاله صوت العقل والحكمة الذي وجده في تصريح النائب محمد الجويهل الذي عاب على أعضاء المجلس تخصيص ساعة ونصف الساعة للمزايدة على الأزمة السورية، وترك أزماتنا الإسكانية والتعليمية والمرورية والبنية التحتية والعلاجية تراوح مكانها.
فنائبنا السابق والناشط في مجال حقوق الإنسان يرى أن في الاهتمام بعذابات الشعب السوري مزايدة، وأن هذه الساعة ونصف الساعة التي استغرقت في مناقشة الموضوع عطلت خطة التنمية في الكويت. ولم يجد سندا إلا في رأي النائب الجويهل، الذي أصبح صوت العقل للبعض في مجلس الأمة.
ورأيا الصراف والبغلي ليسا بمعزولين، وان كانا لاإنسانيين. فقد استمعت إلى آراء مشابهة لرأيهما في ندوة أقيمت في تونس في الأسبوع الثاني من شهر فبراير الماضي حول الربيع العربي، لعميد سابق في الجيش اللبناني، وأستاذ في الجامعة اللبنانية ضمن ورقته المعنونة: «المؤسسة العسكرية والثورة»، كرسها لمديح نظام الأسد، وادعى فيها بأن الأسد استطاع أن يشكل الجيش السوري بمنهج غير طائفي، لذا لم تتكون لدى أفراد الجيش السوري أي مرارة أو حقد تجاه قيادته.
كان هذا في الوقت الذي وصلتنا فيها الاخبار بأن عدم الثقة بين أفراد الجيش السوري بلغ درجة أن أصبح يفصل بين العلويين والسنَّة في المهاجع ليلا. وبعد أن انتهى صاحب الورقة من تقديمه، خاطبته متسائلا: كيف استطعت أن تدخل إلى قلوب نصف مليون جندي سوري، لتبوح لنا بما تخفيه قلوبهم من أنهم لا يحملون مرارة تجاه قيادتهم؟ تجنب مقدم الورقة الإجابة. لكن في نهاية الندوة، وجدته يتوجه إلي، ويخاطبني بمودة قائلا: أتفهم مشاعرك، ونحن نعرف وحشية مخابرات الأسد. نعرف أنهم يقتلون الأطفال ويغتصبون النساء، لكن لا بد أن ندعمهم لموقفهم المشرف في حرب تموز 2006 التي شنتها اسرائيل على لبنان، ولأنهم يقفون سندا منيعا أمام إسرائيل.
فالزميل الصراف، وعميدنا أو أستاذنا المحاضر يحملون الرؤى نفسها، ويستنشقون الهواء نفسه. فرصاص الإسرائيليين على أطفال غزة، قاتل، أما رصاص جنود الأسد على اطفال ونساء ورجال بابا عمرو فهو كالنسيم العليل. فلماذا هذا العويل؟ أما صديقنا «الليبرالي» علي البغلي فلا أعتقد ان اطفال غزة كانو قد اثاروا اهتمامه أو تعاطفه، ولديه أسبابه لكي لا يتعاطف مع اطفال بابا عمرو. فهو والنائب الجويهل مهووسان بخطة التنمية للكويت.
  

السابق
كيف انفجرت الثورة السورية.. ولماذا؟!
التالي
اهالي الجنوب.. بدأ ربيعهم بعد سجن طويل