المستقبل : شباب 14 آذار يستعيدون ربيعهم

كتبت "المستقبل" تقول ، وفي السابعة، خرجت 14 آذار على مألوفها، وعلى "السياسة" اللبنانية بمعناها التقليديّ. احتفال في قاعة "بيال" المقفلة، كما في ذكرى 14 شباط قبل شهر، لكن الصوت لم يكن هذه المرّة لـ"القيادات"، لا بل ضاعت ثنائية "القيادات" و"القواعد"، وهيمن الشباب على المنبر. كانت مناسبة أعادت التذكير بأنّ 14 شباط نشأت في الأساس كإنتفاضة للناس العاديين الأحرار، وأنّها تتجدّد حالما تعود إنتفاضة للناس العاديين الأحرار.
وهؤلاء الناس العاديون الأحرار، أو ما يعرف بالمجتمع المدنيّ، وجدوا أصدق تعبير لهم بالأمس في الكلمات المزاوجة بين الموقف العاطفيّ الذاتيّ وبين الموقف السياسيّ الوطنيّ، عند مي الشدياق، وخضر مكاوي، وجمانة نمور، وسليم مزنر، وديما الخطيب، وهادي الأمين، وملوك محرز، وميشال حجي جيورجيو. وقد جمعت كلماتهم بين التأكيد على أنّ 14 آذار هوية نضالية تعدّدية جامعة ومستمرّة، وبين رفض هيمنة السلاح الفئويّ، والتضامن مع الشعب السوريّ الثائر في وجه السفّاح.
هكذا اعتلت مي الشدياق المنبر بالأمس، تسأل نفسها، والجمع، "هل فعلاً هبطت عزيمتنا؟ هل فعلاً بردت همّتنا؟" وتجيب "إحساسي يقول لا، قناعاتي تقول لا، معلوماتي تقول لا، وألف لا!!!". في الذكرى السابعة، لم تخف ثورة الأرز طبيعتها، فهي بالدرجة الاولى ثورة الإحساس، وأعداؤها عديمي الحسّ والإحساس!
ومن خلال ميّ الشدياق، كما من خلال كلمات الشبان والشابات، كانت ثورة الأرز تقول ما قالت مي لطاغية أضحى، وبحق، فضيحة العالم: "كفاك ذبحاً للأطفال، كفاك اغتصاباً للناس، كفاك حصداً لرؤوس الأبرياء بحدّ السكين، كفاك احتماء برجال الدين مسلمين ومسيحيين، كفاك استغلالاً لشعار حماية الأقليّات".
في الوقت نفسه، ترافق هذا الإنقلاب المهم في المشهد، مع وثيقة سياسية أطلقتها "قوى 14 آذار" وتلاها النائب بطرس حرب، وقدّ وضعت هذه الوثيقة في مقدّمة الأخطار التي تتهدّد لبنان "خطر وضع لبنان في مواجهة النهوض العربي التاريخي الذي بدأ يرتسم مع التحولات الكبرى التي يطلقها الربيع العربي، وخطر تلاشي الدولة جراء الهيمنة على قرارها من قبل أطراف سياسية لم تستمد قوتها من صناديق الاقتراع وارادة أكثرية اللبنانيين، بل من سطوة السلاح الخارج عن الشرعية الوطنية والموجّه الى صدور اللبنانيين، وتستند ايضا الى منظومة وصاية استبدادية هي في طور التداعي وعلى طريق الزوال". كما تطرّقت الوثيقة الى "خطر التراجع الاقتصادي والمالي وسوء الأداء وتراكم المشكلات وتداعيات ذلك على الاستقرار ومستويات عيش اللبنانيين، وخطر تحويل الانقسام السياسي بين اللبنانيين الى انقسام ذات طبيعة أخلاقية بين من يدعم الجلاد ضد الضحية وبين من يتضامن مع المظلوم ضد الظالم".
الا أنّ اللافت كان دعوة الوثيقة اللبنانيين إلى الردّ على هذه التداعيات بالتحضير لما أسمته "انتفاضة السلام الداخلي"، منبهة الى وجوب الاختيار، فإما "انتظار ما يحدث حولنا وتلقي نتائجه ومحاولة التكيف معها"، وإما "المبادرة من أجل تحصين الأرضية الصلبة التي تسمح للبنان بالاستفادة من النهوض العربي لتدعيم تجربة عيشه الواحد ونظامه الديموقراطي وإخراجه من دوامة الحروب الساخنة والباردة وبناء سلامه الداخلي"، مؤكدة على ان "هذا السلام الوطني ممكن"، كما أنه "شرط لبقائنا أحراراً متساوين ومتنوعين، وشرط لإعادة وصل ما قطعته سنوات الحرب وسنوات الوصاية في ما بيننا، وشرط لحماية بلدنا من تداعيات سقوط النظام في سوريا، والسلام هو شرط لبناء دولة تليق بنا ونعتز بها، تنتمي الى العصر لا يحكمها الخوف والعجز"، كما أنّ "السلام هو شرط لإقامة وئام حقيقي وثابت بين لبنان اليوم وسوريا الغد، بعد نصف قرن من التوترات المتواصلة".
ولخّصت الوثيقة هذا السلام الداخلي في ركيزتين، أولاهما عدم الاستقواء بقوى اقليمية أو دولية، و"عدم الوقوع في فخ المطابقة بين طائفة وحزب يدعي تمثيلها والنطق باسمها، وعدم تحميل الطائفة بأسرها الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها هذا الحزب أو ذاك"، داعية في هذا المجال للعمل على "تنقية الذاكرة من خلال مراجعة شجاعة ونزيهة لتجربة الحرب والتمسّك بالعدالة". أما الركيزة الثانية "فذات طبيعة سياسية، وهي اعادة بناء حياة مشتركة بشروط الدولة الجامعة، لا بشروط طائفة أو حزب سياسي أو ميليشيا مسلحة أو وصاية خارجية".
الحريري
وفي الذكرى السابعة، دعا الرئيس سعد الحريري في بيان له الى "اعتبار خيار الدولة هو الحل الذي لا بديل عنه". فقد ذهب إلى أن "الفرصة التي خطط الكثيرون في الداخل والخارج لتبديدها بعد 14 آذار ما زالت قائمة، وهي في ظل رياح التغيير العربي لا يجوز أن تضيع تحت وطأة التطرف والعناد السياسي والرهانات الخاطئة ولا تحت وطأة التشبث بمواقع الاستقواء بالسلاح وخلافه".
وإذ وصف النظام البعثيّ في سوريا بأنّه "يلفظ أنفاسه" فقد شدّد على أنّه من غير المنطقي لأي فريق داخلي الرهان على "اعادة بث الروح في نظام يتهالك يوماً بعد يوم"، ذلك أنّ "الشعب السوري قرر، ومنذ سنة أيضاً، أن يرفع وصاية بشار الأسد وحزب البعث عن الدولة السورية"، منبهاً الى ان "المسؤولية السياسية والقومية والأخلاقية توجب التضامن مع هذا الشعب ونصرته في مواجهة المأساة التي يتعرض لها، بمثل ما تقتضي أن نرى مصلحة لبنان بعيون الرهان على وحدتنا الوطنية وقيام الدولة التي تملك قرارها"، كما كانت لافتة في هذا الإطار مزاوجة الرئيس الحريري بين الدعوة إلى "استحضار روح الرابع عشر من آذار التي ما راهنت يوماً على انقسام اللبنانيين" وبين الدعوة إلى "رؤية جامعة لمستقبل البلاد".
الحكومة والمجلس
إلى ذلك، أكّد رئيس الجمهورية ميشال سليمان خلال ترؤسه مجلس الوزراء الذي انعقد أمس في قصر بعبدا على ان "الجيش كان ولا يزال يمثل وحدة لبنان وهو محط فخر واعتزاز كافة اللبنانيين وغير مسموح التعرض له لأي سبب كان". ولفت الى "فداحة مشكلة الأغذية الفاسدة لجهة الأنواع والكميات المضبوطة وحجمها ولجهة تهديدها الأمن الغذائي للمواطنين اللبنانيين وتأثيرها سلباً على سمعة لبنان"، داعيا الأجهزة المعنية الى "اتخاذ التدابير الصارمة بحق المخالفين".
أما مجلس النواب فيلتئم اليوم في جلسة تشريعية غيبت المواضيع الخلافية من مالية وأمنية عن جدول اعمالها ، مع انه ينتظر ان تحضر من خلال الأوراق الواردة التي ستبدأ بها الجلسة، ونقلت وكالة "الأنباء المركزية" عن "مصادر نيابية" ان الكلمات ستبقى تحت السيطرة "وان رئيس المجلس نبيه بري سيعمل على ضبط الجلسة ريثما تكون قد نضجت التسوية المالية التي يجري العمل عليها والتي سترحل الى الجلسة المقبلة التي قد يحددها رئيس المجلس في نهاية جلسة اليوم".
جعجع
في هذا الوقت، أوضح رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع على أنّ "الإتصالات لم تنقطع مع بكركي، فهذا الصرح معروفة قيمته بالنسبة إلى القوات اللبنانية، ولن نقبل أن يحاول أيّ كان اللعب على هذا الوتر"، مضيفاً "لكن يعزّ عليّ أن اسمع كلاماً للبطريرك ينعكس سلباً علينا، وعلى وضع بكركي وموقعها وشخص البطريرك". واعتبر ان جملة "بكافة الأحوال يجب الإصغاء إلى صوت الشعوب" التي قالها البطريرك بشارة الراعي لا تلغي مفعولة جملة أخرى قالها من مثل "أقرب شيء الى الديموقراطية في المنطقة هي سوريا".
وفي المقابل، شدّد جعجع على أنّ رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون "هو آخر من يحق له أن يتكلم عن تهذيب بالكلام وخصوصاً باتجاه البطريرك"، مذكراً بسوابق لعون في هذا المجال، ورأى جعجع أن "عون يذهب مع بعض وسائل اعلامه الى هجومات مباشرة لأن ممارسته في الحكم أظهرت أنها الأفشل والأكثر فساداًَ، فهو لا يجيب عن أي سؤال يطرح عليه في أي شيء يحصل في الحاضر، إنما ينبش الماضي ويحوّره". ووصف "ممارسة عون في الحكم مع وزرائه من سنة حتى الآن، من كهرباء واتصالات وأجور" بأنّها تجربة "كارثية".  

السابق
السفير: الخناق يضيق على رأس “الشبكة التكفيرية”
التالي
الديار: هواجس في عين الحلوة: تسليم طه سيضرب الاستقرار