الدول الكبرى تتعثّر في خياراتها السورية

يمثل سعي الدول الغربية والولايات المتحدة، في اصرارها على اللجوء الى مجلس الامن لاستصدار قرار يدين ما يحصل في سوريا على رغم الموقف الروسي المتصلب في دعمه النظام السوري وتبنيه الكامل لرؤيته التطورات الدموية في سوريا، عجزا حقيقيا واقرارا علنيا بهذا العجز وتاليا استمرارا للدوران في دائرة مفرغة. وتقر مصادر ديبلوماسية غربية بأن الامر يكتسب صعوبة جمة في ظل خيارات تحددت على وقع رفض الخيار العسكري منذ الاساس، للاعتبارات التي شرحتها الدول الكبرى والتي تتصل بعدم وجود قرار دولي يسمح بذلك وعلى اساس ان سوريا ليست ليبيا. في حين ان النقاط التي اعلن الاتفاق حولها بين وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تنطوي على صعوبات تكمن في ايجاد آلية للتنفيذ، اذ ان الخلاف حول مساواة ما يقوم به النظام بالمعارضة امر جدي وكذلك الامر بالنسبة الى الموازنة بين وقف هذا الطرف العنف اولاً او ذاك. فهذه النقاط لا تسمح بالتفاهم بسهولة في حين ان هناك حدودا لما يمكن ان تقوم به الدول الغربية التي تنتظر ان توفر لها مبادرة المبعوث الدولي المشترك مع الجامعة العربية كوفي انان دينامية لأي تحرك مقبل علما ان عجز المعارضة السورية عن جمع صفوفها والتوحد من اجل تقديم البدائل التي يحتاج اليها الغرب لدعمها يبقى العامل الحاسم حتى الان. وهذا يعني ان الدول الكبرى الداعمة للثورة هي امام نفق مسدود نوعا ما لجهة هامش الحركة التي تتمتع به بحيث يثار سؤال على ضوء كل ذلك هو: هل يمكن التسليم بأن الدول الكبرى وكل الاجراءات التي اتخذتها والمطالبات برحيل الرئيس السوري يمكن ان تسقط رهاناتها ومطالباتها امام استمرار النظام في استخدام آلته العسكرية ضد المدنيين؟ وما هو اثر هذه المعادلة القائمة على تهاون كل هذه الدول أو تراجعها أو عجزها امام نظام في حال قدرته على تجاوز كل هذا المحور الدولي الذي يعترض على ما يقوم به؟
تقر المصادر الديبلوماسية المعنية ان تكرار زعماء الدول الكبرى بأن ايام الرئيس السوري باتت معدودة في ظل عدم القدرة على وضع هذا المطلب موضع التنفيذ بالسرعة المطلوبة، يضر بصدقية هؤلاء الزعماء من دون ان يعني ذلك التخلي عن مطلبهم، وان تطور الامور قد يفرض تعديل زعماء الدول الكبرى خطابهم وربما ايضا مقاربتهم للامور في سوريا. وتقول هذه المصادر ان هناك استمرارا في البحث عن وسائل للضغط الى جانب محاولة التأثير على كل من روسيا والصين التي يزور موفدها الى المنطقة باريس غدا للقاء كبار المسؤولين، علما ان الصين التي عرضت مشروعا من ست نقاط لحل الازمة السورية دعمت ايضا مهمة كوفي انان ولا تعتبرها الدول الكبرى عائقا مقدارَ ما تعتبر ان الصين تتأثر وتؤيد موقف روسيا بحيث يبقى موقف هذه الاخيرة هو الاساس في عرقلة الموقف الدولي الموحد. هل من وسائل ضغوط اضافية يمكن ان يستخدمها الغرب؟
على رغم درس بعض الدول في الاتحاد الاوروبي طرد السفراء السوريين المعتمدين لدى دول الاتحاد كجزء من الضغط على النظام السوري، فان هذه الخطوة بعيدة الاحتمال على الاقل من جانب دول اوروبية مؤثرة، كفرنسا مثلا، التي سحبت وبريطانيا سفيريهما المعتمدين لدى العاصمة السورية في محاولة لممارسة المزيد من الضغوط على النظام كما فعلت ذلك ايطاليا ايضا. لكن خطوة طرد السفراء السوريين المعتمدين في هذه الدول مستبعدة ايضا لعدم امكان الحصول على اجماع حولها من كل دول الاتحاد خصوصا تلك التي كانت من ضمن اوروبا الشرقية سابقا، علما ان دولا في الاتحاد الاوروبي لم تكن تحبذ في الاساس اللجوء الى سحب السفراء من العاصمة السورية كونه يكتسب، ابعادا سلبية لجهة امكان شعور السوريين بالعزلة وانهم متروكون في الوقت الذي كان سفراء كالسفير الفرنسي والسفير الاميركي يجرون اتصالات مع المعارضة في سوريا إبان وجودهم فيها. وذلك يعني انه مقدار ما تكتسب هذه الخطوة ايجابيات معينة لجهة فرض المزيد من العزلة الدولية على النظام وممارسة المزيد من الضغوط عليه، فإن لها سلبيات ايضا بالمقدار نفسه. وتجد الدول الغربية نفسها مضطرة الى اتخاذ خطوات والمزيد منها للضغط على النظام في حين انها استنزفت الكثير منها حتى الآن، إنْ لجهة العقوبات الاقتصادية او لجهة كل العقوبات التي اتخذت وصولا الى اللوائح التي تضم اسماء مسؤولين من النظام ومن محيطه والتي تقر مصادر ديبلوماسية انه الاجراء الذي قد يكون الاقسى باعتبار انه يمس اشخاصا يجدون انفسهم على لائحة تمنعهم من التنقل وتحظر نقل اموالهم والناس عموما لا تحب ان تجد اسماءها على لوائح من هذا النوع.
خلال استقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الاليزيه، قال له الرئيس الفرنسي واثقا ان الرئيس السوري سيحاكم في نهاية الامر امام محكمة دولية على ما ارتكب وهو كرر هذا الكلام اخيرا اكثر من مرة علما ان مثل هذه الاحالة في حاجة الى قرار من مجلس الامن ايضا. لكن السقف مرتفع في هذه المطالبة التي بدأ جمع الادلة لها من فرنسا وبريطانيا علما ان المصادر المعنية تقر ايضا بأن النموذج الذي اعتمد مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ومنحه عفوا عما قام به لم يكن موفقا لجهة احتمال التساهل في مثل هذه الامور.  

السابق
سنة أولى
التالي
قمّة «خروج سوريا» وعودة العراق إلى الحضن العربي