وثيقة المستقبل والثورة السورية

عالجت الوثيقة الصادرة عن تيار المستقبل بلبنان بعنوان: «تيار المستقبل وآفاق الربيع العربي» مسألة الثورة السورية من أربع نواح: أنها جزء أساسي من حركة التغيير التي أطلقها الربيع العربي، وأن هذه الثورة تكتسب أهمية خاصة لحدوثها في سورية بالذات، وأنها تشكل تحدياً وفرصة للبنان، وأنها تتطلب استجابة وطنية وعربية فكرية وسياسية واستراتيجية.
في الناحية الأولى، فإن الثورة السورية هي مثل سائر حركات التغيير العربية من حيث أن الجمهور السوري الشابّ هو الذي أطلقها، وهي تحمل الشعارات ذاتها التي حملتها الثورات وحركات التغيير الأخرى: الحرية والكرامة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ومكافحة الاستبداد والفساد، والاستئثار بإدارة الشأن العام. وذلك لأن العلل التي وقعت في أصل حركات التغيير الأخرى وقعت فيها أيضاً، فهي خروج جماهيري على نظام يسمّي نفسه جمهورياً، ويورّث السلطة، أو يخلد فيها، ويمنع التداول، ويستأثر بالموارد وبإدارة الشأن العام.

وفي الناحية الثانية، فإن هذه الثورة الشعبية تكتسب أهمية خاصة، من حيث طبيعة النظام السائد، والأدوار والوظائف التي أعطاها لنفسه أو أعطته إياها استقطابات وترتيبات إقليمية ودولية. فمنذ أواسط الستينات من القرن الماضي، ظهر نظام عسكري وأمني بإسم حزب البعث، عمل على تكريس الانفصال عن مصر الناصرية، واستلحاق لبنان من نفس المنطلق، وعزل العراق عن قضايا الأمة العربية، واحتضان المعارضات العربية والإسلامية والمساومة عليها مع الجهات الدولية. وهو في مسيرته لإنجاز هذه الوظائف أنهى كل حياة سياسية بالداخل السوري، وعمل على نشر الاضطراب بدواخل المشرق العربي، وشرذمة الفلسطينيين، والوصاية على لبنان. وفي الوقت الذي كان يعمل فيه على تخليد نفسه من خلال أداء هذه الوظائف ارتكب مذابح ضد السوريين والفلسطينيين واللبنانيين. وفي الثمانينات من القرن الماضي وما بعد أقام علاقات مع إيران ومع الولايات المتحدة، وكما ساعد إيران على أن يكون لها ركنٌ في لبنان على البحر المتوسط، ساعد الولايات المتحدة في حربها على العراق عام 1990/1991. وبذلك صارت لخيمة النظام قواعد وأعمدة بلبنان وفلسطين والعراق وإيران والولايات المتحدة. وليس معنى ذلك أنه صار قطباً ممثلاً للمصالح العربية بدلاً من مصر والعراق والسعودية، بل إن الأمر صار أيام بشار الأسد – وارث السلطة – سلبياً تماماً: خواء استراتيجي في المشرق العربي، ومصر معطّلة أو غائبة، واليدان الأميركية والإيرانية تسرحان وتمرحان فيما بين أفغانستان والعراق والخليج. وما بقي بذلك من الجبهة العربية في مواجهة اسرائيل والمصالح الدولية العابرة للحدود غير شعارات «الممانعة والمقاومة» التي يرفعها بشار الأسد وحزب الله وحماس، ومن وراءهم الجمهورية الإسلامية ذات المهمة الإلهية في حفظ الإسلام والمسلمين.

وبالنظر إلى هذا الواقع ووقائعه طوال أكثر من عقد، فإن الثورة السورية، لا تُخرج وحسب الشعب السوري من «المذلّة» إلى الحرية، بل تُخرجنا جميعاً في المشرق العربي من حالات الاستقطاب وتحالفات الأقليات، واغتيالات السلاح والمسلّحين دولاً وشعوباً بإسم القضية القومية!
أما الناحية الثالثة، فإن وثيقة المستقبل تركّز فيها على التداعيات على لبنان من جراء الوضع الثائر بسورية. فهي تدعو إلى التضامن مع الشعب السوري باعتباره شعباً شقيقاً، ولأنه بانتصاره على النظام المستبد والفاسد، إنما يُسهم في إزالة الوصاية الفاسدة والمفسدة والمشرذمة، ويُنهي قضية الانتصار للسلاح والمسلّحين، ويقيم العلاقات السورية – اللبنانية على أسس جديدة من الاستقلال والحرية والمصالح المشتركة.

وأما الناحية الرابعة والأخيرة، فإن تصرفات سورية وحلفائها في لبنان، وتصرفات حزب الله، ملأت النظام اللبناني بالعقبات والعرقلات. ويعتقد تيار المستقبل أن الربيع العربي الذي يُزيل النظام السوري الحالي ويُضعف حزب الله ومسلّحيه، يفتح الطريق لعلاقات أفضل بين الشيعة والسنّة، وبين المسلمين والمسيحيين، ويدفع شبان لبنان باتجاه نهوض فكري وسياسي لتجاوز الدولة الطائفية، كما جرى تجاوز الدولة الدينية.
إن الوقوف مع الثورة في سورية هو خيار وليس رهاناً وحسب. فقد سئمنا الاستتباع والوصاية، كما سئمنا تزوير القضايا العربية والإسلامية الكبرى بإسم الممانعة والمقاومة.

السابق
كتاب التاريخ
التالي
البناء: بكركي تهيئ لردٍ متقن على القوات و14 آذار تصعّد في كل الاتجاهات