رسالة الجيش.. وصلت

غالبا ما يطلق على الجيش اللبناني لقب "الصامت الأكبر" حيال ما يتعرض له من سهام سياسية، ولعل الحالات التي لجأ فيها الجيش للرد تأكيدا أو نفيا قليلة جدا، وذلك ضمن توجه يحاذر استخدام الإعلام لإيصال رسائل معينة، فكم بالحري اذا كان الموضوع يتعلق بحدث حصل داخل الجيش وهو اكتشاف خلية تكفيرية إرهابية.

لا شك ان اعلان الجيش عن كشف الخلية المذكورة يشكل خطوة جريئة من جانب المؤسسة العسكرية، تدل على ثقة زائدة بالنفس، وقدرة على كشف اي خلل او خرق وصولا الى القضاء عليه في مهده.
من الواضح أن قيادة الجيش، ومن خلال تعميم "النشرة التوجيهية" الأخيرة أرادت توجيه الكثير من الرسائل، وأبرزها القول للعسكريين اولا، "انه لو سقط بعضكم "القليل" نتيجة التغرير به وتحت اي مسمى كان (ديني أو مذهبي)، فهو انما يسقط وحده، ولقد دلّت التجارب على انه اذا سقط بعض الافراد تستمرّ المؤسسة، ويدفع هؤلاء الافراد الثمن وقد تتأثر عائلاتهم اما معنويا واما ماديا نتيجة سلوك بعض افرادها سلوكا غير مسؤول".

قبل فترة، تم توقيف عدد من العسكريين، ممن لا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة بتهمة العمالة للعدو الاسرائيلي، ولم تتأخر قيادة الجيش في الاعلان عنهم، وكانت لديها الجرأة ان تقول في حينه انها مستهدفة من قبل العدو لأنها ثابتة على عقيدتها الوطنية. يومها قيل ان المؤسسة العسكرية مخترقة، ولكن اكتشف الجميع لاحقا محدودية هذا الخرق عبر قلّة من ضعاف النفوس سقطوا، ولكن المؤسسة استمرت اكثر صلابة في مواقفها الوطنية، ودفع الثمن من غرّر بهم وحدهم، فألحقوا الضرر بأنفسهم وبعائلاتهم، واليوم أيضا يدفع المغرّر بهم الثمن وحدهم ويبقى الجيش والذين حاولوا التغرير بهؤلاء العسكريين واستغلالهم من المفترض ان تكون قد وصلتهم رسالة قيادة الجيش، ومن المفترض ان يكونوا قد فهموا جيدا معنى عبارة "الضرب بيد من حديد" التي تضمنتها "النشرة التوجيهية" الأخيرة".

قد يسأل البعض انه كان على قيادة الجيش، وكعادتها، اصدار بيان مقتضب حول ما جرى وعدم افساح المجال لسيل المعلومات المسربة عن الشبكة بالوصول الى وسائل الاعلام، لكن في ذلك أيضا رسالة اخرى ربما تعمّدت قيادة الجيش ايصالها وهي انه نتيجة للوضع السياسي والتجاذبات الحاصلة في البلد، قد تلجأ بعض الجهات المتطرفة الى التلطي وراء بعض القوى السياسية لحماية نفسها ولتأمين الغطاء السياسي والطائفي لتحركاتها ولمخططاتها الارهابية، وذلك على خلفية الانقسام اللبناني حول التطورات الاقليمية، وخاصة السورية، علما ان التحقيقات التي اجرتها مديرية المخابرات مع الموقوفين قبل احالتهم الى القضاء المختص، لم تثبت ارتباط هذه الخلية بأي جهة سياسية لبنانية، لكن يخشى ان تقوم الجماعات الارهابية بمحاولة استغلال الظروف الداخلية لخلق بيئة ضاغطة تخفف من حجم الجزاء الذي يجب ان يناله افراد هذه الخلية اسوة بما حصل مع موقوفين آخرين بقضايا تمس الجيش والامن الوطني.

الموضوع اخطر من ذلك بكثير، ولو تأخرت مديرية المخابرات عن القيام بالعمل الأمني الاستباقي الذي اقدمت عليه، ربما كانت انتقلت الخلية التكفيرية الارهابية من مرحلة التخطيط الى مرحلة التنفيذ، وعندها لم يكن أحد يتوقع حجم الاضرار التي يمكن ان يخلفها اي عمل ارهابي امني ضد الجيش.

السابق
لماذا ترييح حزب الله؟
التالي
اكتشاف الخلية السلفية داخل بنية الجيش