إخفاق انتخابي في ليبيا

يقدم قانون الانتخابات في ليبيا، الذي أصدره المجلس الانتقالي الليبي الشهر الماضي، خريطة لاختيار أول حكومة ديمقراطية في البلاد. وأشادت الكثير من البلاد، ومنها الولايات المتحدة، بسن هذا القانون، باعتباره خطوة مهمة على طريق السياسة الليبية الوعر. وحتى إذا تم انتخاب حكومة في وقت لاحق من العام الحالي، كما هو مفترض، سيتضمن القانون خطة ربما تؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار وتدهور الوضع الاقتصادي في ليبيا، مما يمثل تهديدا للبلد ولدول الجوار أيضا. هذه الخطة هي منع أفراد الجيش من التصويت. ويعتبر استثناء الجنود من الانتخابات أمرا مبررا، ويعبر عن قلق حقيقي بالنسبة لدول تنتقل من حقبة ديكتاتورية، كانت تعتمد على الجيوش القاسية لقمع تأييد أبناء تلك البلاد، للديمقراطية. من الواضح أن هذه الحالة تنطبق على ليبيا؛ فقد كان نظام العقيد معمر القذافي عنيفا باستمرار، وكان هذا العنف يتجلى في أغلب الأحيان من خلال الجيش.
في الدول، التي تمر بمرحلة انتقالية عقب مرحلة صراع، لا تهدف مثل هذه القوانين فحسب إلى إقصاء الجنرالات عن سدة الحكم، بل أيضا إلى ضمان أن يظل الجيش مؤسسة منفصلة مسؤولة عن حماية سيادة الشعب والمصالح القومية للبلاد. وتعتبر مصر، التي تقع شرق ليبيا، مثالا يقدم تحذيرا؛ ففي القاهرة سيطر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الحكم بعد خلع مبارك، وعلى الرغم من تأكيداته المستمرة على تسليمه السلطة إلى سلطة مدنية، لم يفعل ذلك ولا يبدو أنه سيفعله عما قريب. في الوقت ذاته، ما يصلح لدول أخرى ربما يأتي بنتائج عكسية في ليبيا، فهي لديها جيش ضعيف، على عكس مصر، مما يجعل خطر تحوله إلى كيان سياسي أمرا مستبعدا.
عوضا عن ذلك، تملأ الجماعات المسلحة البلاد؛ حيث يوجد نحو 200 ألف عنصر من العناصر المسلحة في دولة يبلغ تعدادها 6 ملايين نسمة. والمفجع هو تسلح هؤلاء العناصر بكمية كبيرة من الأسلحة بسبب السطو على مخازن أسلحة القذافي أثناء الصراع. وتتصرف الجماعات المسلحة كما يحلو لها، وليس لدى الحكومة الكثير الذي يمكن أن تقوم به باستثناء مطالبة تلك الجماعات بتسليم أسلحتهم. وباءت جميع المناورات السياسية، مثل دمج قادة الجماعات المسلحة السابقين في حكومة عبد الرحيم الكيب، بالفشل. بمعنى آخر: يحكم المجلس الانتقالي والكيب شعبا أكثر تسلحا منه.
من الحلول المقترحة لهذه الأزمة: تجنيد ما يزيد على 50 ألف فرد من أفراد الجماعات المسلحة في جيش ليبي نظامي مهني يخضع لقيادة وزارة الدفاع، مع توقع تسليم العناصر المسلحة الأخرى أسلحتها طواعية مع زيادة الفرص الاقتصادية، بينما يتم نزع سلاح آخرين في إطار برنامج استرداد الأسلحة عبر شرائها. وهنا تكمن مشكلة قانون الانتخابات، وهي: كيف يمكن للجماعات المسلحة، التي يحق لأفرادها التصويت والتعبير عن أنفسهم ككيان ذي نفوذ وقوة، أن تنحل حتى يستطيع أفرادها الانضمام إلى الجيش الذي تم استبعاده من الانتخابات؟ بمعنى آخر: سيكون لهذا القانون، وهو الإبقاء على الجماعات المسلحة، تبعات تتعارض بشكل مباشر مع هدفه، وهو تقييد دور الجماعات المسلحة على الساحة السياسية الليبية.
طالما ظلت الجماعات المسلحة تمتلك القوة، ستتأجل عودة الوضع الاقتصادي إلى طبيعته. وإذا كانت الجماعات التي تعمل خارج الحكومة قادرة على تشكيل البيئة الأمنية، سيتردد المستثمرون الأجانب، خاصة شركات النفط، في العودة إلى البلاد. ومن دون وجود شركات أجنبية، لن يعود إنتاج ليبيا من النفط إلى مستواه الذي كان عليه قبل الثورة، أو سيحدث ما هو أسوأ من ذلك، وهو انسحابها تماما. يمكن للعائدات أن تنخفض في وقت تحتاجها الحكومة فيه بشدة.
من المفترض أن يكون سن قانون الانتخابات في غضون عام من الثورة حدثا يُحتفى به، لكن في هذه الحالة يعني الإسراع بإقرار مثل هذا القانون المعيب أن المجلس الانتقالي على أعتاب فشل ديمقراطي مؤسسي.
  

السابق
هزيم التقى موسى وشرارة موفدين من بري
التالي
ما بعد هجوم جعجع