حين يشتم السيّد المسيحيين وبطاركتهم 

لا شك في أن أي متعاطٍ في السياسة يصير حكماً ضمن إطار النقد والمناقشة. علماً بأن ما من إنسان معصوم أصلاً في التفكير أو القول أو العمل. من هنا، فتوجيه الانتقاد إلى أي إنسان، حيال أي مسألة كانت، أمر طبيعي جداً، لا بل ضروري في مجتمع سويّ صحّي وسليم.

إلا أن ما كتبه الدكتور رضوان السيد في التاسع من الجاري، في صحيفة «الشرق الأوسط»، تحت عنوان: «البطاركة والدين والأخلاق والنظام السوري»، يقع في منزلة أخرى. فهو أقرب إلى شتيمة مباشرة وموجهة، لا إلى البطاركة أو رجال الدين أو حتى المسيحيين وحسب، بل أيضاً، وقبلاً، هو بمثابة اعتداء على كل إنسان، وذلك من ناحيتي شكل ما كتب كما مضمونه.

ففي الشكل، يكتب رضوان السيّد كلامه، وهو المستشار الدائم والثابت في البيت الحريري، في صحيفة مملوكة من عائلة بنيسعود. أي إنه في الشكل مرتبط مباشرة بالتركيبة الأكثر أوتوقراطية. تركيبة يكفيها توصيفاً أنها تجعل من أرض وبشر ملكاً عائلياً خاصاً على طريقة العبودية الكاملة، في القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، يكتب القلم الحريري السعودي الوهابي متحدّثاً عن الحرية والديموقراطية وسواها من قيم ومبادئ.

وفي الشكل، أيضاً، قصد السيّد أن يعرف عن البطريرك بمفردة «البطرك». وهي كلمة يعرف تماماً في أدبيات اللغة أنه يقصد منها التحقير. مهما كانت تبريرات اللغويين أو تسويغات مستخدمها السابقة أو اللاحقة. وهي المفردة نفسها التي استخدمها داعي الإسلام الشهال قبل أيام، وفي السياق نفسه، حين توجه بكلام تهويلي ضد البطريرك الماروني أيضاً. وفي الشكل، أخيراً، بدا وكأن رضوان السيّد عمد في ما كتبه إلى ما يشبه الازدراء الشخصي. كما إشارته إلى أن للبطريرك الأرثوذكسي مار أغناطيوس الرابع هزيم «بعض العذر بسبب تقدمه في السن»، في غمز لاأخلاقي من قناة القوة العقلية التي قد لا يجدها رضوان السيّد إلا في تجلّيات حكّام بني سعود وإشراقاتهم الفكرية المبدعة.

أما في المضمون، فتتناول شتائم السيّد بطاركة الشرق لمجرد أنهم لم يدعموا الانتفاضة المسلحة ضد الرئيس السوري بشار الأسد. أما السبب، فيتوهمه المستشار الحريري حرفياً «الاستتباع الحاصل من جانب النظام السوري للكنائس في العقود الأربعة الماضية، ومواقف البابا الحالي من الإسلام والسياسات في الشرق الأوسط، والثقافة الاستشراقية لدى كبار رجالات الكنيسة أو التي تعلموها منذ الصغر في المعاهد الفاتيكانية والأوروبية، وعدم التعوّد على العيش في ظل نظام للحرية والانفتاح». أي بترجمة أسهل: الكنائس المسيحية برأيه عميلة للأنظمة، والبابا بندكتوس السادس عشر عدو للإسلام، ورجال الكنيسة يخشون مناخات الحرية. وفي هذا الكلام ما يتخطى كل مجافاة الحقيقة، ما قد لا تجد وصفاً له أقل من الفجور.

يكفي تذكير رضوان السيّد بأنه يوم كان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أسقفاً مكلّفاً تنسيق أنشطة السينودس الخاص من أجل لبنان، كان يخوض معركة رفض الوصاية السورية على لبنان فيما دباباتها هنا. وكان يحفر بإبرة إيمان لتأكيد رفض وجود الجيش السوري في لبنان، كما خطَّ في النداء الأخير للسينودس في خريف 1995. ويومها كان الفريق السياسي لرضوان السيّد نفسه، يحاول الالتفاف على الراعي من بيروت إلى روما، خدمة للوصاية السورية بالذات. وكان يرسل «مستشاريه» و«حقائبهم» في كل اتجاه، للتأليب على الراعي والمطالبة بعزله ومعاقبته، لكونه عصياً على ضباط عنجر. وحين كان الراعي يقاوم علناً ممارسات أجهزة الوصاية، كان الفريق السياسي لرضوان السيّد يقدم مفتاح بيروت إلى غازي كنعان، مع بيان مكتوب للتاريخ، بأن تلك المهزلة هي شكر من فريق رضوان السيد للحاكم العسكري السوري للبنان، على «الأيدي البيضاء التي جاد بها» عليه. فهل يعقل أن يتهم «متعاون» مع الوصاية مقاوماً لها، لمجرد أن الجزمة أزيحت عن رقبة الأول وفمه، بفضل شجاعة الثاني وصلابته؟

وهل فكر السيّد، مثلاً، أن سبب موقف كثيرين مما يحصل في سوريا، وغير سوريا، أو سبب اللاموقف، هو رفضهم الانسياق الغنمي في اتجاهٍ تأكد بالدليل الحسي الملموس والقاطع، أن نهايته ومؤداه عودة إلى القرون الوسطى، وإلى هدر دم الإنسان إذا كان شاعراً مثل حمزة كشغري، أو رجم فتاة مثل علياء المهدي، أو إجلاء قرية كاملة لأن رجلاً أحب امرأة، أو تهديد جماعة كاملة بالإبادة إذا كانت من القطيف، أو إحراق تلفزيون إذا بث فيلماً، أو سجن صحافيين إذا نشروا صورة… هل فكر رضوان السيّد أن المشكلة ليست في أن يكون بشار الأسد مستحقاً لدعم أو تأييد، بل في أن يكون فريق السيّد السياسي والإيديولوجي من أسوأ ما يمكن للقرن الحادي والعشرين أن يعرفه؟
إيجابية كلام رضوان السيد الوحيدة، ربما، تأكيده أن البترو ـــــ دولار لم يشتر كل الناس بعد. والرد عليه ضرورة للتأكيد أنه لن يفعل…

السابق
مانجيان: الحذر واجب لأن الإرهاب لا دين له
التالي
بوتين يستغني عن لافروف؟