تلامذة بحثوا في عيش مشترك حقيقي

"أنظر إلى هذه المرأة، من المؤكد انها مسيحية، أنظر إلى ما ترتدي"، قال محمد عن أنطوانيت التي نظرت اليه وقالت في نفسها: "من المؤكد انه مسلم. أنظر إلى لبسه ومعاملته لزوجته". لبنانيان جمعهما وطنٌ وفرقتهما ذهنية حربٍ وطائفية. نشيد بتعدد الطوائف ونفتخر بوعي اللبنانيين بأن "العيش المشترك يحفظ لبنان". أين وطننا من "العيش المشترك"؟ وهل تخطى اللبنانيون ذهنية "محمد وأنطوانيت"؟

مسلمون ومسيحيون اجتمعوا "ليتحاوروا". تلامذة في صفوف البكالوريا من مختلف المدارس اللبنانية جلسوا الى طاولةٍ لم تستطع ان تجمع حولها "الكبار". "الطاولة" ليست إلا برنامج "العيش المشترك الإسلامي – المسيحي" الذي ساهم في إنجازه أكثر من 15 متطوعاً، غالبيتهم طلاب الماجستير في معهد الدراسات الاسلامية – المسيحية في كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف، إضافةً إلى مؤسس البرنامج سامي خليفة.
أكثر من 400 تلميذ من 14 مدرسة رسمية وخاصة من مختلف المناطق، اجتمعوا في يوم للصداقة عنوانه "لبنان، من الساحة إلى الوطن للجميع"، في حرم العلوم الاجتماعية للجامعة اليسوعية. شبان وشابات من الفئة العمرية نفسها وبانتماءاتهم الدينية المختلفة تصارحوا وشرحوا لبعضهم البعض المغالطات التي كونوها عن "الآخر المختلف". لعلها المرة الأولى يتحادثون من دون ضوابط.
رومان، تلميذ "مسيحي" في مدرسة الشانفيل – ديك المحدي، ملتزم ويسعى إلى ان يصبح كاهناً "سبق واطلعت على الدين الإسلامي وخصوصاً ان أمي تلقت دروسها في مدرسة ذات صبغة اسلامية. وفي فترة من الفترات بدأت اتخوف من فكرة الإقتناع بالدين الاسلامي، ولكن كان ذهني محصناً بأفكارٍ مسبقة عن المسلمين قد تصل الى حد نظافتهم اليومية، وبأنهم لا يحترمون زوجاتهم". ولكن ثقافة رومان منعته من الإستمرار بهذه الأفكار وبدأ التفكير بواقعية، وأتت مشاركته في اللقاء انطلاقاً من ان كثيرين "لا يريدون ان يكونوا مسلمين ومسيحيين، بل مواطنين لبنانيين".
سارة مبيض تلميذة "مسلمة" في مدرسة فخر الدين، و"حفرت" في ذهنها قبل مشاركتها في البرنامج أفكاراً خاطئة عن المسيحيين: "كنت أفكر ان الفتيات "فلتانين" أو بلا تهذيب". أفكار سارة ورومان وزملائهم في يوم الصداقة لم تقتصر على الصعيد "السطحي"، بل تعدتها الى نقاشات في مفاهيم دينية متشعبة، فالمسلمون اعتبروا على سبيل المثال ان "الدين المسيحي تشوبه أخطاء وتلفيقات"، كما ان المسيحيين رأوا ان النبي محمد "اخترع بعض الأمور ليظهر رسولاً"، وهي اعتقادات خاطئة تولى كل من "الطرفين" شرحها للآخر وطرحها للنقاش.
رومان وسارة وزملاؤهما عينة من جيل جديد ورث "المتاريس الذهنية" البديلة من المتاريس التي اعتادها اللبنانيون في حروبهم، وفق ما قال خليفة لـ"نهار الشباب"، متمنياً على الأقل ان "يقدموا لأبنائهم الارث الايجابي لكي ننعم مستقبلاً بعيش مشترك فعلي".
يختلف جيل سارة ورومان في ما بينهم. فمنهم، وخصوصاً أولئك الذين يتلقون تعليمهم في مدارس مختلطة دينياً او يعيشون في بيئة مختلطة، يتعاملون مع "الآخر" كأنه أخ وصديق بغض النظر عن انتمائه الديني. التقى "نهار الشباب" عدداً من المشاركين في "يوم الصداقة" غير سارة ورومان. بعضهم أيدوا ما قاله رومان، وآخرون انطلقوا في حديثهم من المنطلق نفسه الذي تحدّثت به سارة. آخرون اعتبروا ان وجهة نظرهم الى الآخر لم تتغير "لأننا منفتحون أساساً على أبناء وطننا رغم تحفّظنا عن أفكار البعض التي لا تمتّ الى الدين بصلة".
بعد مرحلة التحاور بين التلامذة، عرضوا أعمالهم التي تدعو الجميع الى التضامن لخلق لبنان واحد بعيد من الانقسامات. والتقوا المخرجة نادين لبكي التي شرحت فكرة فيلم "وهلأ لوين؟". ثم كان حوار مع عميد كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف الأب سليم دكاش ومدير التعليم الثانوي في وزارة التربية والتعليم العالي محيي الدين كشلي ومدير معهد الدراسات الإسلامية – المسيحية الأب عزيز حلاق والأمين العام للجنة الحوار الإسلامي – المسيحي محمد السماك وأمين سر "مؤسسة الحكيم" السيد علي الحكيم وعضو المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرة والشيخ أسامة الحداد.
"صار عنّا رفقة جداد"، أصدقاء جمعهم لبنان والاختلاف وبرنامج "العيش المشترك الاسلامي المسيحي"، أملاً في ان يطبقوا الأفكار التي اكتسبوها في يوم، ويجعلوها مساراً دائماً للتعرف الى الآخر من دون أفكار مسبقة مشوّهة.  

السابق
اوباما يشاهد ميريام فارس!!
التالي
مدمن على الألعاب والسجائر