في 14 آذار، شكراً للبنانيين

بعد يومين تحل ذكرى 14 آذار 2005، اليوم المجيد في تاريخ لبنان الذي صنعه اللبنانيون أنفسهم، يوم تخلوا عن خوفهم من المحتل السوري، ومن السلاح غير الشرعي، ومن تلويح الاصابع، وتهديد الأقربين، ومن تهويل العملاء. في ذلك اليوم المجيد قال جبران تويني لا تخافوا ولا يهمكم العدد لان القضية المحقة بواحد أقوى من أصوات ملايين لا يملكون قضية. لكن العدد ايضا فاجأه وكل قيادات تلك المرحلة التي تشبه الى حد بعيد المسيرة الاستقلالية عام 1943.

زحف اللبنانيون من كل حدب وصوب الى ساحة الشهداء، ساحة الحرية، ساحة بيروت ما قبل الحرب، ساحة زمن العز، بل ساحة الساحات. تجمعوا في تلك الساحة يعيدون الى بيروت ألقا كادت تفقده منذ زمن الحرب وفي حروب الاخوة على أرضها. حمل اللبنانيون العلم اللبناني، لا ليردوا على ناس 8 آذار الذين رفعوا لهم شعار "شكراً سوريا"، بل ليقولوا للعالم كله ان الشكر لا يستحقه إلا أهل لبنان الذين صمدوا في وجه مؤامرات تغيير وجه هذا اللبنان، تارة من اسرائيل، وطوراً من سوريا، أو منهما معا.

انطوى ذلك اليوم، وارتكبت من بعده أخطاء كثيرة في السياسة وفي التحالفات الانتخابية، وفي التحالفات المضادة خصوصا، لأنها أخرجت البعض من التحالف الاستقلالي الى النقيض في التركيبة والتوجه. كأن سياسة بناء الاوطان تقوم على النكايات. تباعد بعض الحلفاء، وكاد هذا البعض ان يطيح القضية، بعدما صار أسير المواقف الجديدة.
لكن العودة الى النبش في دفاتر الماضي غير مجدية في زمن التحولات والمتغيرات المتسارعة التي تحوطنا اليوم، على رغم ان الماضي يشكل جزءاً أساسياً في حياة كثيرين منا، وخصوصاً من دفعت عائلاتهم أثماناً باهظة، ولا داعي للتفاصيل، لكن الاهم هو المستقبل الآتي علينا أيضاً بقلق. وقلق التغيير غير الرؤيوي يتحول خوفاً لدى كثيرين، كما يحصل اليوم مع ترداد نغمة الحماية للاقليات.

لكن في تبني بعض اللبنانيين هذا الخطاب رجوع الى الوراء، الى زمن الوصاية، وتنكّر لمرحلة اللاخوف التي أحيا بها جمهور 14 آذار 2005 انتفاضة الاستقلال، تلك الانتفاضة التي كانت ربيعاً قبل الربيع وسرعان ما تحولت عدوى أصابت كل المجتمعات العربية، فكبرت كرة الثلج وتدحرجت معها رؤوس.
وهذه الثورات المتنامية في العالم العربي يعود الفضل فيها الى لبنان، الى الدماء الزكية التي بذلت، والى اللبنانيين الذين انتفضوا. هؤلاء هم اهل 14 آذار، وهم الاستقلاليون، هم الثوار، ولا يحق لأحد ان يسرق منهم انجازهم، ان في السياسة أم في الشارع أم في كتاب التاريخ. لهم كل الفضل في بناء لبنان جديد يمضي رويداً رويداً وينتظر تغييراً شاملاً يعم المنطقة فينعكس مجدداً على مسيرة بناء الدولة التي حاول الاقربون تعطيلها بكل الوسائل المتاحة قبل ان يصيبهم منها ما نشهد عليه حالياً.

السابق
النهار: أنان للأسد: لا يمكنك تغيير اتجاه الريح والرد الواقعي هو التغيير وتبنّي إصلاحات
التالي
السويداء لزعيم المختارة: اصمت!