السويداء لزعيم المختارة: اصمت!

وضع النائب وليد جنبلاط نفسه في موقع الوصيّ على دروز سوريا. يطلق التصريح تلو الآخر، مصوّراً نفسه بأنه أدرى منهم بمصالحهم. في السويداء، لا نتائج لدعوات جنبلاط، سواء في ذلك رجال الدين وغيرهم، وموالو النظام السوري ومعارضوه
لم يزر النائب وليد جنبلاط، منذ ثمانينيات القرن الماضي، محافظة السويداء السورية ذات الغالبية الدرزية، التي أغرقها «البيك» أخيراً بدعواته للانضمام إلى «الثورة ضد الطاغية». في جولة تخيّلية قد يقوم بها جنبلاط، اليوم، على المحافظة التي تبعد عن دمشق نحو 100 كلم جنوباً، ما الذي يمكن أن يسمعه ويراه؟
هناك، سيكتشف سيد المختارة أن آذان الناس قد صمّت، بقرار ذاتي، عن سماع صوته. وقد يُحبط لكثرة صور الرئيس بشار الأسد المنتشرة في أرجاء مدينة السويداء إلى جانب عبارات الولاء والتأييد.

يمكن «البيك» أن يجوب كل مناطق السويداء. من عرر ورساس والمزرعة وولغا وسالي وعرمان إلى صلخد وذكير… وسيكتشف أنها السويداء «قلعة الأسد». ففي هذه المحافظة التي يبلغ عدد سكانها 417 ألفاً، «لم تنجح دعوات المعارضين في جمع أكثر من 26 شخصاً أمام مبنى المحافظة» في «تظاهرة» ضد النظام، بحسب عضو مكتب تنفيذ المحافظة الدكتور بشّار نصار. لا يحبّذ المسؤول السوري الخوض كثيراً في «سيرة جنبلاط». بالنسبة إليه، سوريا دولة مستقلة «ولا يحق للبيك أن يتدخل فيها. لقد اعتدنا عليه، فهو كلما نضب جيبه من المال يرفع لهجته من جديد». يلفت نصار إلى أنه درزي، فيما زميله مازن سمارة، المسيحي حصد المركز الثاني في انتخابات الإدارة المحلية في السويداء، «وهذا يعني عدم وجود شعور مذهبي وطائفي هنا. وبالتالي، كل الدعوات التي يوجهها جنبلاط، من منطلق مذهبي، ليس لها صدى بيننا». ويضيف: «أصلاً في لبنان، أخذ الرجل حجماً أكبر بكثير من حجمه، فكيف يكون لديه شيء هنا؟».

من شارع الشعراني إلى شارع أميّة، وصولاً إلى «ساحة الأسد» الرئيسية في المدينة، والتي تضم نصباً للرئيس الراحل حافظ الأسد، يصعب العثور على مؤيّد واحد لسليل الزعامة الجنبلاطية. يسأل خالد كرباج مستنكراً: «من جنبلاط؟ هذا الرجل لا يمثّل إلا نفسه… فليصمت»، فيما يرى المحامي ماهر حلبي أن «جنبلاط يحضّ على التفرقة الطائفية، ولكن صدقني، لا أحد منّا هنا يصغي إليه». في «ساحة المشنقة» الأثرية، التي كان المحتل الفرنسي يعدم الثوار فيها، ينتفض المخرج المسرحي يعرب زهر الدين لدى سؤاله عن دعوات الزعيم الاشتراكي إلى أهل السويداء، ويقول: «نحن مع الرئيس (بشّار) الأسد. مع النظام وحبتين مسك. أما جنبلاط، المكروه هنا، فلا يعبّر إلا عن نفسه». شادي مسعود، ابن السويداء الذي عاد أخيراً من غربته في فنزويلا يؤكد: «نحن مع الرئيس بشار مهما صار. نحن معه معارضون ضد الفساد الموجود في كل دول العالم، مع ثقتنا بنية الرئيس الإصلاحية». أما جنبلاط «فلا تأثير له علينا. وعلى أي حال، فليثبت هذا الكائن على رأي، أولاً، قبل أن يوجه الدعوات إلى الآخرين».
من بائع خضر إلى صاحب دكان، ومن تاجر ثياب إلى سائق أجرة، ليس في السويداء سوى جواب واحد لجنبلاط: «فليصمت».

داخل مقهى فندق «ديونيزياس» الكائن قرب قصر أسمهان، يرتشف شبّان قهوتهم وهم يشاهدون قناة «الجزيرة». للقناة القطرية مشاهدون في السويداء! الأمر بسيط بالنسبة إلى المدرّس بسام كشور. يشاهدون الجزيرة على قاعدة «اعرف خصمك… وليس عدوّك»، إذ «لا عدو لنا سوى إسرائيل». يبدي كشور اطمئناناً كبيراً وتفاؤلاً بمستقبل «هذا البلد الذي يصنع رغيف خبزه بنفسه، لأن بلداً لا يصنع رغيفه هو بلد لا يملك استقراره السياسي».
على مقربة من المقهى، خلف ساحة تشرين، يقع منزل الشيخ إبراهيم أبو عسلي. الشيخ الطاعن في السن، ذو اللحية البيضاء المرسلة، يحظى باحترام وتقدير واسعين بين أهل السويداء. إكرام الضيف عنده «واجب». يصرّ، رغم ارتجاف جسده، على سكب القهوة لضيوفه بنفسه. يقول: «سوريا عقبة أمام إسرائيل، وهذه الأخيرة سخّرت أميركا لمهمة ضرب سوريا، وهذا ما يحصل اليوم في بلدنا». هكذا، ينهيها الشيخ جازماً بـ«المؤامرة»، الكلمة الأكثر انتشاراً في السويداء حالياً. الرئيس بشار الأسد «خط أحمر» بالنسبة إلى الشيخ، و«السوري الأصيل يموت جوعاً ولا يخون». أما سيرة جنبلاط فتزعجه جداً. لأنه «عدو نفسه، وسوريا لا تنزل إلى مستواه ولا ترد عليه».

بين منزل الأخير ومنزل شيخ عقل الموحدين الدروز في السويداء، حسين جربوع، يرتفع قوس نصر في ساحة الفردوس، حفرت في وسطه عبارة وحيدة: «ولاؤنا للأسد». جدران منزل جربوع مليئة بالصور التذكارية التي تجمعه مع الأسد الابن والأب. بدا الشيخ أكثر دبلوماسية في الحديث عن جنبلاط، لكن مع وضوح في الموقف. يقول إن لـ«عائلة وليد بيك تاريخاً مشرّفاً، أما هو فلا نراه يثبت على موقف. مرة يميل يميناً وأخرى شمالاً. لا نراه يمشي سوى مع مصلحته الشخصية، ونحن هنا خارج الصراع التقليدي بين اليزبكية والجنبلاطية، وبالتالي ليس لوليد جنبلاط شيء هنا». يبدي الشيخ امتعاضاً من الحديث عن جنبلاط، فيقرر وضع حدّ لـ«هذه السيرة»، ويقول: «باختصار، الموحدون الدروز في السويداء لن يمشوا وراء جنبلاط. هنا، لا هو ولا غيره يمون على ثابتة الخط الوطني القومي المتمثلة في الرئيس الأسد». يجزم الشيخ جربوع بـ«عدم وجود خوف أقليات لدينا. نحن لا نريد الحماية من أحد. فعددنا في سوريا يبلغ 600 ألف تقريباً، منهم 150 ألف مقاتل، وبالتالي مواقفنا نابعة من اقتناع وطني قومي عروبي راسخ، وليست من خوف أبداً».

من الموالين إلى المعارضين، لا تختلف الصورة كثيراً، لكن مع فارق صعوبة العثور على معارضين في السويداء. ليس في الأمر مبالغة، إذ يعترف بذلك المعارضون أنفسهم. البعض يرى أن النظام السوري تعامل بذكاء مع هذه المحافظة. فمنذ بداية الأحداث في سوريا، قبل عام تقريباً، لم يُسجل سقوط قتيل واحد فيها. وحدها مدينة شهبا، التابعة إدارياً للسويداء، شهدت خلال الأشهر الماضية بعض التحركات المعارضة التي حافظت على طابعها السلمي. لم تصبح المعارضة هناك مسلحة. كمال بكري، ابن المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 23 ألفاً، يرفض «تضخيم ظاهرة المعارضة في شهبا، لأن من يتحركون في هذا الاتجاه لا يتجاوز عددهم 400 شخص».

عند أطراف المدينة، ذات الطابع التراثي، يقع منزل المعارض «الصريح» الدكتور حسين نور الدين. طبيب الأسنان «لا يخاف من النظام ولا من أجهزة استخباراته»، خصوصاً بعدما اعتقل ابنه مدّة 10 أشهر. داخل منزله صورة بارزة لجمال عبد الناصر. هو ناصري الهوى، رغم «عدم دقة هذه التصنيفات في هذه المرحلة». له كلام كثير بحق النظام في بلده، ولكن عند الحديث عن لبنان، وتحديداً عن دعوة النائب وليد جنبلاط إلى أهالي السويداء للانضمام إلى «الثورة»، يقول بوضوح: «نرفض أي دعوة طائفية موجهة من جنبلاط إلينا. أقولها رغم ما أشعر به من ظلم من النظام».

نفاع: جنبلاط خطر على الدروز

إتهم الأمين العام للحزب الشيوعي في أراضي الـ48 الكاتب محمد نفاع، النائب وليد جنبلاط، بـ «قيادة وتنفيذ مخطط إقامة دويلة درزية في لبنان وسوريا». وقال نفاع في مقابلة مع مجلة «الصنارة» التي تصدر في الأراضي المحتلة إن جنبلاط «يستفيد من تنفيذ هذا المخطط، بل وأكثر من ذلك فإن أحد أهداف لقاءات عمان التي كان ينظمها جنبلاط لدروز أراضي الـ48، كان تجميع القوى الدرزية في جبل العرب ولبنان واسرائيل لإقامة هذا الكيان الطائفي». ووصف نفاع كلاً من جنبلاط والنائب مروان حمادة بأنهما «من أخطر الأشخاص على مصلحة الطائفة الدرزية وعلى مصلحة لبنان وسوريا».

السابق
في 14 آذار، شكراً للبنانيين
التالي
نحو الفدرالية