البناء: تَراجُع عربي تحت سقف الصوت العالي وزيارة لافروف

على الرغم من تعرض المخطط الغربي ـ الخليجي الذي يستهدف سورية ودورها ووحدتها لمزيد من النكسات في الأسابيع الأخيرة، إلا أن القيمين على هذا السيناريو التآمري لم يتخلوا عن محاولتهم لاستهداف سورية، وهو ما ظهر في الساعات الماضية خلال الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، حيث اندفع وزيرا خارجية السعودية وقطر سعود الفيصل وحمد بن جاسم في سبيل تمرير الأهداف المشبوهة ضد سورية، فما كان من لافروف إلا أن تصدى لهما ومنعهما من تحقيق الأهداف المسبقة التي أرادا تعويمها بعد أن سقطت جراء صمود سورية والدعم الروسي والصيني لها.

وتأتي زيارة موفد الأمم المتحدة كوفي أنان إلى دمشق بعد الاتصال الذي جرى بين الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما، وكان واضحاً أن الأميركيين لا يستطيعون التراجع المفاجئ خصوصاً في الظروف الانتخابية والمواقف السياسية المصاحبة لها، وهو من عدة الشغل وضرورات الاستحقاق الانتخابي. ولذلك أوكلت مهمة إيجاد الحل إلى بعض الدول الأخرى وإلى الأمم المتحدة تحديداً.

من هنا، يمكن فهم زيارة الأمين العام السابق كوفي أنان إلى دمشق باعتباره مندوباً للأمين العام الحالي بان كي مون.

وقد مهّد أنان لزيارته إلى دمشق بموقف محايد ومعتدل ساهم إلى حد كبير في تهيئة البيئة الملائمة سورياً لتقبل مقترحات عملية غير منحازة.

وفي الوقت نفسه، أثمرت زيارة لافروف إلى القاهرة اجتماعه لما يسمى بالمجلس الوزاري العربي في حصول تراجع عربي واضح وأن تقنَّع باللغة السياسية ذات الهدير العالي خوفاً من أن يفسّر ذلك هزيمة لطرف دون آخر.

وجاءت تبجحات وزير الخارجية السعودي الفيصل ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم لتعود بعد مداخلات وزير الخارجية الروسي الحاسمة إلى الاعتراف بما كانت روسيا منذ البداية تطالب به، وهو الإقرار بوجود جماعات إرهابية مسلّحة تمارس العنف والتقتيل والتدمير. فجاء الإقرار العربي متأخراً ولكن تحت عنوان حصول العنف من الطرفين

.

وبعد أن فشل حكام الخليج بتمرير مخططاتهم التآمرية في اجتماع القاهرة، انتقل البحث أمس مجدداً إلى مجلس الأمن في محاولة مكشوفة أميركية ـ غربية ـ خليجية لاستصدار قرار عنه ضد سورية، لكن رفض كل من روسيا والصين لأي قرار يستهدف سورية لن يسمح بإصدار أي قرار جديد، لأن الفيتو الروسي والصيني سيكون جاهزاً في حال إصرار أصحاب المخطط المشبوه على طرح مسودة القرار على التصويت.

وفي هذا السياق، ينتظر أن تشهد أروقة مجلس الأمن اليوم حضوراً وزارياً مكثفاً لعدد من وزراء خارجية الدول الغربية والخليجية.

لقاءان للأسد مع أنان

وفي موازاة ذلك، أجرى موفد الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان محادثات في دمشق أمس، فاجتمع مرتين مع الرئيس بشار الأسد، كما التقى عدداً من القيادات السورية وبعض أطراف المعارضة في الداخل.

وأعلنت الأمم المتحدة عن عقد جولتين من المحادثات أمس بين الرئيس الأسد وأنان وصرح على اثرها الموفد الدولي أنه قدم للرئيس الأسد "سلسلة مقترحات ملموسة سيكون لها انعكاس حقيقي على الأرض وستساعد في إطلاق عملية ترمي إلى وضع حد لهذه الأزمة".

وأكد أنان أن المحادثات تركزت على ضرورة "وقف فوري لأعمال العنف والقتل والسماح بوصول المساعدات الإنسانية".

وأعرب أنان عن أمله في أن يتمكن من المساعدة في تحقيق كل ما من شأنه أن يفضي إلى إصلاحات ديمقراطية وتعزيز احترام حقوق الإنسان في هذا البلد.

وقال أنان: أتمنى أن تكون سورية آمنة وأن نستثمر التعددية فيها والنهوض بالمصالحة والتسامح وإشاعة هذا الجو في المساجد والكنائس وعبر كل الطوائف، مضيفاً: أنا أعلم أنكم جميعاً تنتمون إلى هذه الأمة وأرجو أن نعمل معاً لتكريس مشاعر التسامح والعدل وتضميد الجراح.

الأسد: مستعدون لإنجاح المهمة

وأعرب الرئيس الأسد خلال اللقاء عن استعداد سورية لإنجاح أي جهود صادقة لإيجاد حل لما تشهده سورية من أحداث، مضيفاً أن النجاح في أي جهود يتطلب أولاً دراسة ما يحدث على الأرض عوضاً عن الاعتماد على الفضاء الافتراضي الذي تروّج له بعض الدول الإقليمية والدولية لتشويه الوقائع وإعطاء صورة مغايرة تماماً لما تمر به سورية.

وأضاف الرئيس الأسد: أن أي حوار سياسي أو عملية سياسية لا يمكن أن تنجح طالما تتواجد مجموعات إرهابية مسلحة تعمل على إشاعة الفوضى وزعزعة استقرار البلاد من خلال استهداف المواطنين من مدنيين وعسكريين وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة.

ولفتت قناة "المنار" إلى أن الرئيس الأسد أبلغ أنان أن لا مكان للمجموعات المسلحة في أي حل سياسي، ولا حتى في سورية، والمطلوب هو موقف واضح من تسليح المعارضة وضرورة الطلب من الدول التي تقوم بتسليحهم بوقف ذلك، وأوضحت أن أجواء اللقاء كانت إيجابية وأن أنان غادر إلى الدوحة مساء أمس متفائلاً بنجاح مهمته.

وذكرت "الإخبارية السورية" أن "أنان التقى مفتي سورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون بحضور عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين".

ونقل عن مكتب المفتي إشارته إلى أن "اللقاء تناول وحدة سورية وتعايشها وتآلفها وعدم وجود طائفية فيها".

لقاء لافروف مع الوزراء العرب

وكان عقد يوم أول من أمس لقاء في القاهرة بين لافروف ووزراء الخارجية العرب، وأفيد عن حصول سجال خلاله بين الوزير الروسي وكل من الفيصل وبن جاسم بعد إصرار الوزيرين السعودي والقطري على محاولة تمرير مقترحات مشبوهة تخدم التآمر على سورية واستمرار آلة القتل للمجموعات الإرهابية.

واثر الاجتماع تحدث لافروف عن النقاط التي تم الاتفاق عليها وهي:

ـ وقف العنف من أي جهة أتى.

ـ إنشاء آلية رقابة محايدة.

ـ لا تدخل خارجياً في الشأن السوري.

ـ إتاحة وصول المساعدات الى الجميع من دون إعاقة.

ـ الدعم القوي لأنان لإطلاق حوار بين الحكومة والمعارضة.

الوزير الروسي: الأولوية لوقف العنف

وأعرب لافروف في المؤتمر الصحافي المشترك مع بن جاسم، أن هذه النقاط هي في غاية الأهمية وقال، إن الأولوية هي إنهاء العنف في سورية والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول الى كل من يحتاج إليها، مشيراً إلى أن روسيا مستعدة للعمل مع الجميع من أجل الإصلاح لا التدمير، كما أشار إلى وجوب وجود آلية رصد مستقلة للتأكد من التزام كل الأطراف بوقف العنف. وأضاف لافروف أننا "لا نحمي أي نظام، بل نحمي القانون الدولي".

ولفت إلى أنه "يجب الطلب من المجموعات المسلحة الانسحاب من المدن كما نطلب من القوات الحكومية". وأضاف أن "مؤتمر "أصدقاء سورية" لم تدعَ إليه الحكومة السورية للمشاركة فيه وهذا ليس أسلوباً للحوار". واعتبر أنه يجب أن "نتفق على منهج مشترك لحل الأزمة السورية شرط عدم تمويل المعارضة وتسليحها". وأوضح أنه "لا يمكن إلقاء اللوم على جهة واحدة في الأزمة السورية".

الفيصل يصرّ على تسليح "الإرهابيين"

في هذا الوقت جدد الفيصل حملته على سورية زاعماً أن "ما يقوم به النظام السوري هو في الحقيقة مذبحة غير مبررة ضد المواطنين، ونحن لسنا ضد النظام في سورية لكننا ضد الأعمال التي يقوم بها النظام" داعياً إلى تسليح المعارضة السورية.

كلينتون تتصل بلافروف

في مقابل ذلك، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن "الضغوط على روسيا مكثفة"، مشيرة في حديث إلى الصحافيين في وزارة الخارجية إلى أنها "تحدثت مع الوزير لافروف هذا الأسبوع عن أمل الولايات المتحدة في أن تلعب روسيا دوراً بناء في وضع حد لسفك الدماء والعمل نحو التحول السياسي في سورية".

وأشارت إلى أنها "ستتابع الأمر في نيويورك غداً (اليوم)، عندما تلتقي مع لافروف خلال مناقشات رفيعة المستوى في مجلس الأمن الدولي بشأن التطورات التي حدثت منذ "الربيع العربي".

البيت الأبيض والخيارات الصعبة

كذلك نقل "راديو سوا" عن مسؤول في البيت الأبيض خلال لقاء مغلق مع الصحافيين قوله إن "إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تدرس حالياً كل الخيارات لوقف إراقة الدماء في سورية، لكن تسودها شكوك عميقة إزاء الخيار العسكري خوفاً من أن تتعقد الأزمة الإنسانية أكثر فأكثر".

وتطرق المسؤول الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، إلى "اختلاف الحالة السورية عن الحالة الليبية".

كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن "إدارة أوباما وحلفاءها وشركاءها الدوليين بدأوا نقاشات جديّة بشأن تدخل عسكري محتمل في سورية، رغم مواصلتهم الضغط من أجل حلول غير عنيفة للأزمة".

بن حلي وقمة بغداد

إلى ذلك، يقوم وفد من الجامعة العربية بزيارة مقر منظمة التعاون الإسلامي في جدة اليوم لبحث الوضع في سورية.

وفي هذا السياق، قال نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي إن الرئيس الأسد "ممنوع من حضور القمة العربية المرتقبة في بغداد"، موضحاً أن "هذا قرار عربي، وهو يمنع المسؤولين والوفود السورية من المشاركة في أنشطة الجامعة وإدارتها ومؤسساتها".

الكويت متفائلة بالحل

من جهته، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح، في حديث إلى وكالة "كونا" أن "ثمة مؤشرات إيجابية إزاء الأزمة في سورية"، مشيراً إلى أنها "تمثلت في تكليف أنان بمهمة بحث الأوضاع في سورية مع المسؤولين السوريين والخروج بمعالجة حقيقية للوضع على الأراضي السورية بما يحفظ أمن واستقرار سورية ويحفظ كذلك أرواح الشعب السوري الشقيق".

عبدالله الثاني في السعودية

إلى ذلك، يقوم الملك الأردني عبدالله الثاني بزيارة قصيرة إلى الرياض، يبحث خلالها مع نظيره السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز تطورات الأوضاع في المنطقة خاصة الأوضاع في سورية.

وأمس، شدّد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، على هامش زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الأردن، على "أولوية الحوار في الأزمة السورية"، مؤكداً "موقف بلاده على ضرورة وقف العنف في سورية وحماية الشعب".

تركيا والرهانات الخاسرة

في السياق ذاته، أعلن الرئيس التركي عبدالله غول أنه "من الضروري أن تشارك مختلف الدول التي حضرت مؤتمر "أصدقاء سورية" في تونس، في المؤتمر المقرر عقده في اسطنبول نهاية شهر آذار الحالي للغرض ذاته، مؤكداً "توجيه دعوة إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للاشتراك في مؤتمر اسطنبول" قائلاً إن "اجتماع اسطنبول سيناقش خيار التدخل العسكري في سورية".

الصليب الأحمر داخل مناطق سورية

في مقابل ذلك، أكدت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوريثيا كريميتساس، أن "الصليب الأحمر وبالتعاون مع الهلال الأحمر السوري، تمكنا من دخول عدد من المناطق السورية المتضررة بهدف تأمين المساعدات الإنسانية اللازمة للمدنيين".

خيوط دعم "إسرائيلي" للمعارضة!

في سياق متصل، يواصل العدو "الإسرائيلي" الكشف عن مزيد من خطوط التواصل مع المعارضة السورية في الخارج، حيث كشفت صحيفة "هآرتس" أن وزارة الخارجية "الإسرائيلية" تدرس بموجب تعليمات من الوزير أفيغدور ليبرمان اقتراحاً طرحه المغني "الإسرائيلي" اركادي دوخين يقضي بتنظيم مهرجان غنائي يرصد ريعه لدعم المعارضة في سورية، مشيرة إلى أن دوخين توجه إلى ليبرمان قبل أيام عدة طالباً مساعدته في تنظيم مهرجان لموسيقى الروك أند رول في "إسرائيل"، وأن يتم تحويل ريعه إلى "المتمردين في سورية لغرض شراء مواد غذائية وأدوية".

بناء الجدار الفاصل عند كفركلا

على صعيد آخر، يبدأ العدو "الإسرائيلي" بإقامة الجدار الفاصل بين بلدة كفركلا ومستعمرة المطلة في فلسطين المحتلة صباح اليوم.

وكانت فرقة "إسرائيلية" قامت صباح أمس بإزالة مكعبات اسمنتية بطول 50 متراً على طول الشريط الشائك المقابل لبوابة فاطمة، فيما قامت الآليات "الإسرائيلية" بنقل المكعبات الاسمنتية إلى داخل الأراضي المحتلة.

وبعد ذلك، بدأت القوات "الإسرائيلية" بوضع علامات في المكان الذي ستقيم عليه الجدار، فيما قامت فرقة عسكرية "إسرائيلية" مؤلفة من 20 جندياً بمراقبة الأوضاع من الجانب "الإسرائيلي".

السابق
سمير جعجع !!
التالي
الشرق الأوسط: معارك في قلب دمشق.. وتصعيد في حلب رفع علم الاستقلال على جبل قاسيون