أنان..مهمات متعددة لا مهمة واحدة

يبدو المشهد السوري معقَّداً من جديد، في ظل مجموع التحركات السياسية وجولات المبعوثين الدوليين بدءاً من الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، وصولا الى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي حط في اليومين الماضيين في القاهرة في إطار اجتماعات وزراء الخارجية العرب.

ما خرج من تلك الاجتماعات من خطة من خمس نقاط بعناوين انسانية عامة، ينسجم مع عناوين مهمة أنان، لكنها تستبطن في الواقع أهدافاً مختلفة تم الاتفاق عليها مسبقاً في أروقة الأمم المتحدة، ومع الإدارة الأميركية، إضافة الى ما جرى في القاهرة قبيل اجتماعات السبت، التي أفضت الى الخطة الخماسية.

لقد أعلن رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في تصريح مشترك في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أن تلك الخطة تقوم على: أولاً وقف العنف في سورية أيّاً كان مصدره، وثانياً اعتماد آلية رقابة محايدة للوضع، وثالثاً عدم التدخل الأجنبي في الشأن السوري، ورابعاً إتاحة وصول المساعدات الإنسانية للسوريين، من دون إعاقة، وخامساً تقديم الدعم القوي للمبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية كوفي أنان، لإنجاز مهمته، وإطلاق حوار بين الحكومة السورية والمعارضة.

النقاط الخمس أعلاه تناقضت بشكل تام مع ما طرحه قبل الإعلان حمد بن جاسم نفسه في خطابه أمام مجلس وزراء الخارجية العرب، مؤكداً فيه على ضرورة تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول سورية الصادر في 16 شباط الفائت، وخطة العمل العربية التي أُقرت في تشرين الثاني 2011، وقراري مجلس الجامعة العربية الصادرين في تشرين الثاني وكانون الأول 2011 اللذين تضمَّنا خارطة لحل الأزمة السورية، وفقاً للمبادرة العربية. في حين أنه من المعلوم بأن سورية رفضت تلك المقررات جميعها في حينه، ودعمت ذلك روسيا الإتحادية، بينما قالت إعلانات القاهرة يوم السبت الماضي إن مهمة أنان تستند إلى ما اسمتها تلك الـ"مرجعيات المعتمدة".

ما عبّر عنه بن جاسم في خطابه قبل الاتفاق مع الوزير الروسي يعبّر بشكل واضح عن استمرار الأمل لدى كل من قطر والسعودية في تحقيق ما لم يستطيعا تحقيقه وذلك عبر العناوين الخمسة التي اتفق عليها مع لافروف، وعبر مهمة أنان الإنسانية، إذ تم تداول معلومات دبلوماسية وصحافية، تفيد أن مهمة أنان تحمل في طياتها أهدافا سياسية وأمنية أولها وأهمها القبض على الملف السوري، بعدما استعصى ذلك خلال العام الماضي، عبر الضغوطات الدولية السياسية والاقتصادية، إضافة الى دعم الجماعات المسلَّحة في الداخل.

ما تم تداوله من معلومات، وصل الى حد التحذير من مغبة دخول عناصر أمنية تحت ستار العمل الإنساني، وتقديم الدعم اللوجستي لبعض الأطراف المعارضة، لاسيما داخل ما يسمى بـ(الجيش السوري الحر) الذي سيعطى مساحة كبيرة في اللقاءات التي سيجريها اكثر من مبعوث دولي داخل سورية وخارجها، في إطار مساعدة أنان على تنفيذ مهمته، وذلك بهدف تقديم بعض المستلزمات التي سماها الشيخ حمد بـ"المساعدات"، من دون أن يحدِّدها، ما من شأنه التوصل الى فرض ذلك الجيش كأمر واقع، مشكلاً باباً واسعاً لتشجيع من يرغب في الانشقاق عن الجيش السوري النظامي بإيجاد إطار شبيه ينضم اليه، في حين ذكرت معلومات صحافية منقولة عن مصادر دبلوماسية، ونشرت في بيروت وأكدتها مصادر أخرى نقلا عن الإدارة الأميركية التي بحثت بتفصيل عناوين مهمة أنان مع دول أوروبية وعربية معنية، ومنها قطر والسعودية على أن مهمة انان يجب أن تصل الى حد بحث عناوين سياسية وعسكرية وأمنية وقضائية، ومنها إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية السورية، بما يضمن عدم تأثيرهما في إجراء انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة، برعاية وإشراف دوليين، إضافة الى "وضع الأسس لتأمين سير المؤسسات والقضاء، ضماناً للانتقال الى المرحلة الجديدة".

مصادر سورية قالت، إنه من المستحيل أن تقبل سورية بأي من هذه البنود لأنها تمسّ بسيادتها، مشيرة الى أن ذلك يعتبر اعتداءً سياسياً على البلد، وتجاهلاً لكل الخطوات الاصلاحية التي نفذت حتى الآن ومنها الدستور الجديد والاستفتاء الذي تتمسك الحكومة السورية باعتمادهما كقاعدة للإنطلاق، والعمل بموجبهما في الفترة المقبلة.

وفي سياق المهمات التي تعمل الإدارة الأميركية على تمريرها، في إطار مهمة أنان الإنسانية هو ما كشفته مصادر دبلوماسية غربية، عن أن الإدارة الأميركية تبحث بشكل جدّي امكانية فتح ملف ما اعتبرته أسلحة بيولوجية تمتلكها سورية وقوامها كميات كبيرة من غاز الأعصاب، وغاز الخردل في استعادة لسيناريوهات العراق في عهد نظام صدام حسين، والذي استمر أكثر من عشر سنوات من الأخذ والرد، وإيفاد المبعوثين وفرق التفتيش والمتابعة الدولية.

وأشارت المصادر الى ما أوردته صحيفة (وول ستريت جورنال) حول تنسيق استخباري اميركي – أردني – تركي، تركز على هذا الموضوع، وما ذكرته الصحيفة عن أن ذلك "التنسيق يأتي بعد تصاعد القلق من امتلاك دمشق مخزوناً من غاز الخردل وغاز الأعصاب"، وما نقلته عن مسؤولين من أن إحدى الخطط التي يتم وضعها بين الجيشين الأميركي والأردني "تقوم على الطلب من وحدات عمليات خاصة أردنية تعمل في إطار بعثة سلام تابعة للجامعة العربية تأمين حوالى عشرة مواقع يعتقد أنها تحتوي على الأسلحة"، فيما أكدت الصحيفة أن "إدارة أوباما تنسق بشكل خاص مع الأردن بسبب قربه من سورية وقدرات عمان الاستخبارية وتاريخ تعاونها مع القوات الخاصة الأميركية".

سيناريوهات عديدة يحملها أنان معه ومهمات متنوعة تتراوح بين الانساني والسياسي والأمني، وصولا الى شن الحروب الباردة الطويلة الامد، في ظل التماسك الذي أبدته دمشق في التعاطي مع أزمتها وصمودها في وجه ما تم خوضه ضدها خلال السنة الماضية. أسئلة كثيرة مطروحة حول مهمة أنان التي على ما يبدو انها ستكون مهمة شاقة ومعرّضة للفشل في حال تبنى شخصياً بعضا من العناوين خارج إطار النقاط الخمس التي أقرها لافروف مع الجامعة العربية.

السابق
صُوَر دايان تعيد جنبلاط إلى مخاوفه الأمنية؟
التالي
جعجع والجميّل رفضا إعطاء موعد للشيخ الاسير