موعد مع الفدرالية …

نادراً ما انتصر فكر سياسي أو ديني، من دون أن يشرب كأس اللعنة، ويمر في مطهر النضال والحروب والنزاعات.المسيحية، والإسلام، والماركسيات، والديموقراطيات، لم تشذ عن هذه القاعدة. بدأت ملعونة وشيطانية وخائنة، قبل أن تصبح مباركة وخيّرة وعادلة.
ما لفتني أن فكرة التعددية أصبحت على لسان مسلمين عرب كثر، وأصبحت مقبولة ومطالب بها، إلى درجة أن لبنانياً ورئيس حزب إسلامي، هو السيد حسن نصرالله، قال قبل أسابيع قليلة إن كلمة "تعددية" لم تعد تثير حفيظته، لا بل وصل إلى اعتبار مناداته بالجمهورية الإسلامية وهو في الثالثة والعشرين من باب الحماسة!

على الضفة الأخرى، شخصيات مسيحية أرثوذكسية تقترح قانوناً انتخابياً عماده أن يكون الناخب والمرشح من المذهب عينه. سؤال بدأ يتبادر إلى الأذهان، متى يحين موعد منح الفدرالية صك البراءة في لبنان؟ الفدرالية هدفها الإتحاد، لكن وُجد من جعلها عنوان التفرقة والتقسيم!

كتب التاريخ تذكر قيام ممالك عدة على ساحل لبنان، الذي لا يتجاوز المئتي كيلومتر طولاً. كانت ممالك مستقلة، بأديان مختلفة ومتعددة الآلهة!

في المحيط التاريخي نفسه للبنان، الدول الإسلامية حكمت وفق منظومة ولايات وسناجق. هذا يعني أن الإسلام السياسي، سبق الإتحاد الأوروبي بنحو ألف عام. في المقابل محيطنا مسبوق أوروبياً بعشرات السنوات فقط. إنها مسافة زمنية قصيرة، ومن السهل استدراكها إذا قيست بألف عام!

الفدرالية الإسلامية تاريخياً اعترتها نواقص وأخطاء وخطايا كثيرة، ولكن هل إن عثرات وأزمات الإتحاد الاوروبي في يومنا هذا، جعلت دول أوروبا تسقط اتحادها الكونفدرالي؟ الإمتحان اليوناني يظهر إرادة معاكسة. وفي يومنا هذا ينظر إلى العراق كنموذج سلبي، في حين إن أهل العراق لا يفكرون بالعودة إلى الوراء، والصراع اليوم يتجه نحو محافظات سنّية ومحافظات شيعية تبحث تشكيل أقاليم مماثلة لإقليم الكرد، وما يؤخرها خلافات على حدود المحافظات، أو على التوقيتات!

ما بدأ في ليبيا قبل أيام من المطالبة بالعودة إلى الولايات الثلاث السابقة لنظام القذافي، ليس فكرة جديدة، أو وجدان مستجدّ، أو مؤامرة مدسوسة.

اليوم تحكم لبنان، وثيقة الوفاق الوطني، وهي نوع من فدرالية مختلف فيها وعليها. منذ نحو مئة عام، واللبنانيون يبدلون أرجحيات سلطات الطوائف، فمن ظفر لم يطمئن، ومن ارتضى فعلى مضض. يوميات السياسة في لبنان تكشف أن هذه المساحة الطائفية مندفعة، بمنطق التاريخ، نحو الفدرالية، من حيث لا يدري أو يدري كثر.

ماذا يعني أن تطالب شخصيات مسيحية وغير مسيحية بصلاحيات أكثر للمسيحيين بهدف إقامة" توازن رعب" بين الشيعة والسنّة؟ هذا يعني سوء النيّة هي المنطلق. وماذا يعني أن يطالب سياسي درزي بتقاسم جديد للسلطة بين شيعة وسنّة؟ هذا يعني نيّة سيئة مضاعفة. إنهما محاولتان لحمل إصطناعي لا ينتج إلاّ ولادة لجنين غير سويّ.

على عبثية هذين الطرحين، يبقى الوجه الإيجابي، أن سقوطهما قد يقربنا من فكرة المساواة في السلطة. والفدرالية من أحد أهدافها هذه المساوة. كان لبنان من أوائل من اعتمد مفهومي الدولة والديمقراطية في العالم العربي، على ما شابهما من شوائب، فمتى سيزهر ربيع الفدرالية فيه؟ وحوله بذور لزهور تنتظر. زهور لن تلغي روعتها الأشواك.

السابق
حصل في سورية مرة ثانية
التالي
صيغة جديدة لإقفال الملف المالي… والسنيورة حاضر في كل الملفات