ضربة إسرائيلية خلال 4 أشهر 

قبل نحو أسبوع كانت العاصمة التشيكية براغ على موعد مع لقاء مزدوج الطبيعة والعنوان: في الشكل، ورشة عمل تضم عدداً من كبار الخبراء في شؤون الشرق الأوسط. وفي الحقيقة اجتماع شبه مغلق، وبعيداً عن الأضواء، لعدد من المسؤولين الأمنيين التابعين مباشرة لصانعي القرار في حكومات محددة. القاسم المشترك بين تلك الحكومات أنها المعنية بالملف النووي الإيراني. وقد شمل الحضور مشاركين من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ومعظم البلدان الأوروبية الكبيرة، فضلاً عن الدول الخليجية، وخصوصاً إسرائيل.
بعد جلسات مفتوحة حول عناوين عامة من نوع «الربيع العربي» و«أمن الطاقة» و«النظام الإقليمي الجديد» بعد تطورات عام 2011، انتقل «الكبار» الى جلسة مغلقة حول الصحن الرئيسي للورشة: إيران والنووي. أحد المشاركين كشف لـ «الأخبار» أن اللقاء تمحور فعلياً حول المداخلة الإسرائيلية. وكانت هذه موزعة بين مشاركين اسرائيليين اثنين: جنرال وخبير نووي. وقدم الاثنان قراءة متكاملة، تركزت على الخلاصات التالية، من وجهة نظر إسرائيل:

أولاً، إن التقدم الإيراني في الأبحاث النووية والاتجاه نحو إنتاج رأس نووي باتا في مراحل شبه نهائية. حتى إن الخبير النووي الإسرائيلي جزم بأن طهران باتت قادرة على إنتاج قنبلة نووية واحدة خلال أربعة أشهر. مع ترجيحه ألا تبادر فعلياً الى ذلك، بل أن تنتظر حتى تجميع كمية كافية من اليورانيوم المخصب لإنتاج مجموعة كبيرة من الرؤوس المتفجرة، لا تقل عن عشرة. علماً أنه يعتقد أيضاً أن الكمية اللازمة من اليورانيوم المخصب لذلك، باتت موجودة لدى الإيرانيين. وبالتالي لا مجال لضبط هذا الاتجاه أو عرقلته عبر الإمساك بمصادر اليورانيوم الخام، أو تسكير حنفية الجهة المصدّرة له الى طهران. وتابع الخبير نفسه إن مستوى التخصيب المطلوب بات في مراحل متقدمة، ويكاد يبلغ مستوى تسعين بالمئة، الضروري لبلوغ مرحلة إنتاج السلاح النووي.

أما الجنرال الإسرائيلي، فأضاف متابعاً عرض زميله، إن اسرائيل حيال هذا الوضع قررت عدم التريث، وإن ما سماه أمنها الاستراتيجي المترابط مع الأمن الاستراتيجي لدول المنطقة، وخصوصاً الخليجية منها، يفرض عليها التحرك. ليكشف الجنرال نفسه ما زعم أنه قرار اسرائيلي نهائي بتوجيه ضربة عسكرية جوية الى إيران. قبل أن يشرح أن نطاق تلك الضربة المقررة لم يرسم على نحو نهائي بعد. وهو يراوح بين صيغتين اثنتين: إما استهداف المنشآت النووية الإيرانية وحدها دون سواها. وإما إضافة أهداف حكومية يجري اختيارها من ضمن الهدف الأساسي المحدد للضربة، وهو تأخير البرنامج النووي الإيراني وإعادته الى الوراء أعواماً طويلة، في انتظار التطورات السياسية الممكنة داخل النظام وخارجه.
لكنّ المفاجأة الأبرز التي كشفها الجنرال نفسه، هو زعمه أن اسرائيل لا يمكن أن تنتظر أكثر من أربعة اشهر أو خمسة على أبعد تقدير لتوجيه ضربتها تلك. ذلك أنه بعد هذه المدة، تدخل إيران بحسب رأيه في ما سماه «منطقة أمان نووي وحصانة عسكرية»، تجعلها بمنأى عن أي أذى فعلي لمنشآتها النووية من أيّ استهداف جوي. وربط مفهوم تلك المنطقة الآمنة بأمرين اثنين: أولاً تحصين المنشآت النووية الإيرانية على نحو كبير جداً داخل الجبال أو تحت الأرض، بما يجعلها عصية على أي قصف جوي. وثانياً تطوير شبكة متنوعة من الدفاعات الجوية الإيرانية، التي قد تجعل مهمة الغارات المعادية أكثر صعوبة وتعقيداً. قبل أن يخلص الجنرال الإسرائيلي الى إبلاغ المؤتمرين ما حاول تقديمه على أنه قرار نهائي من كيانه بتنفيذ الضربة قريباً، ودعوة الجميع الى التعامل مع الوضع في إيران والمنطقة على هذا الأساس.
ويكشف الدبلوماسي المشارك نفسه أن ردود الفعل بين المشاركين في اللقاء المغلق جاءت متباينة. فهناك من راح يناقش في التفاصيل العسكرية والتقنية للخطوة، فيما ناقش آخرون في رد الفعل الإيراني حيال أي ضربة اسرائيلية. حيث لوحظ اطمئنان من قبل الجنرال الإسرائيلي الى استحالة قيام أيّ رد إيراني مباشر ضد اسرائيل، لأسباب «دينية» كما وصفها، وذلك لعدم جواز ضرب «أماكن مقدسة» إسلامياً ، بحسب رأيه (!) غير أن قسماً آخر من المشاركين، بينهم خصوصاً الأميركيون والروس، ظل على اعتقاده بأن الموقف الاسرائيلي المعلن هو من قبيل التهويل، تحقيقاً لأهداف أخرى في العلاقة مع الغرب كما مع عدد من الدول العربية.
لكن اللافت أن الدول الخليجية المشاركة في اللقاء أظهرت معارضتها لأي خطوة عسكرية اسرائيلية وتخوفها من تداعياتها، باستثناء دولتين خليجيتين، أبدتا تفهماً وبعض حماس، فضلاً عن اعتقادهما بأنها قد تسهل مهمتهما الراهنة في سوريا. انتهى اللقاء وبدأ العد العكسي للأشهر الإسرائيلية الأربعة، بين مراهن وقلق … ومشكّك.

السابق
أحرق زوجته …
التالي
كونيللي غادرت بيروت