شبان لم يستسلموا للبطالة.. الشهادة لا تطعم خبزاً وجواز السفر ليس حلاً

شباب يحاولون الإفلات من قبضة "البطالة"، ليسبحوا في فضاء عمل فردي، وإن ابتعد في جنباته عن اختصاص اختاروه لتحصيلهم، داحضين بذلك مصطلح "ما في شغل بلبنان"، طارحين السؤال: "عاطلين عن العمل… لماذا؟" هؤلاء يختصرون مسافة الإجابة باقتناعهم بأن الشهادة في لبنان لا تطعم خبزاً… وأن الحل ليس بجواز سفر إلى الغربة، بل إلى تحقيق الذات وإن بعمل يظنه البعض "مستحيلاً"."إن لم تفلح في صنع هدفك بما درسته، اصنعه من زاوية أخرى"، شعار ترفعه فدوى ابنة الـ24 ربيعاً في متجر "خبز المرقوق". هنا في تلك المحلة الضيّقة، تقف تُدوّر رغيف الخبز بين كفيها، كما لو كانت تُدَوّر كل زوايا حياتها، "فعلى رغم مشقاته وصعوباته ومغامراته، إلا أنه في النهاية الأربح بالمال والجهد والخبرة".

قد يستغرب البعض أن تعمد فتاة إلى احتراف صناعة المرقوق وبيعه. "استهجان هضمته بابتسامة وإصرار على أن أصبح تاجرة خبز مرقوق، وسأنجح، سأستغل شهادتي في التجارة هنا، أحاول أن أصنع من اللاشيء شيئاً مفيداً، لن أستسلم لليأس، يجب ألاّ يتوقف الإنسان، يجب أن يتحدى الصعاب، لا أريد أن ألهث وراء المستحيل، ما أريده أن أعيش الاستقرار ليس إلا".

تطرح جرأة فدوى سؤالاً مُلِحاً: "عاطلون عن العمل لماذا؟" سؤال يحمل في أبعاده أفقاً آخر، بل يتمحور حول هل نحن عاطلون عن العمل أم أننا ابتكرنا البطالة… وعشقنا الخمول؟ خمول يعوق التقدم، يحوّلنا كرة تدحرجنا بعيداً من طموحنا، "يجبرنا على المكوث في المنزل، ومصادقة النارجيلة والنت ومعاشرة الفضاء الافتراضي… في انتظار الفرج.


اخترعت شهادتي
"عن أي فرج يتحدثون؟" يسأل محمد الذي ولد عمله من رحم الرغبة في الانقلاب على تحجّر "الوظيفة اللا موجودة". في محل لتزيين الشوكولا يقف، يبتدع فكرة هنا، ويزيّن بطريقة فنية هناك. يحاول أن يكون عمله إبداعياً متأنقاً كما حلمه:"لم يأت عملي من فراغ، بل جاء وليد عذاب في البحث عن وظيفة أو مهنة، ولكن حين لم أعط "تأشيرة" عبور إلى عمل بشهادتي، اخترعت شهادتي وعملي في تزيين الشوكولا، إنه فن وعبره أدوّر زوايا شهادتي بالتسويق واستغلها لمصلحة فني".

يبدو محمد متمكناً من حلمه الآخر وحتى من طريقة إمراره "لأن بإمكاننا أن نفتح أفقنا الآخر، ومن يرفض الأمر يعوقه الخمول وقلة المثابرة".إن التحلّل من قبضات قيود "الشهادة" يبدو وارداً في كل محافلها "فالبحث عن العمل يذكرني بلعب "الغميضة"، و"اللقيطة" في صغري، وحين لا تربح تمضي… تتخذ من الزاوية سبيلاً لك، وماذا بعد؟ يبدو علي واثقاً من كل كلماته التي يختارها بعناية متفذلكة، تنبعث تارة من رائحة البهارات التي اختارها عملاً، وطوراً من خلف رؤيته وتحليله لواقع الحال: "لم يكن سهلاً أن تضحي بسنوات دراسة، ولكن أنا شاب وأريد أن أؤمن مستقبلي، أريد أن أتزوّج، فهل أنتظر المستحيل في لبنان، أم أبحث عن أفق آخر؟".

ويضحك حين يتذكر أنه من حملة "الماستر – إدارة دولية"، لم تنفع بشي، كثر سخروا مني حين قرّرت أن أفتح محلاً لبيع البهارات، ولكن من يأكل "العصي ليس كمن يعُدّها". أنا اليوم أتوسع في عملي، لأن من لا يصنع مشروعاً بإرادته في لبنان لا يمكن أن يستمر. وإذا وقفنا عند الشهادة والنظر نحو الوظيفة، فسنموت قهراً ولن نتوصل إليها، وبالتالي يصحّ نعتنا بالعاطلين عن العمل".

انظر في داخلك
"يجب أن نخلق نحن حالتنا وعملنا، فالجلوس لا يفيدنا بل يزيد من قلة حيلتنا"، شعار يدل في جوهره على صراع بين جيلين من الشباب، جيل يفضّل التريث وانتظار عمل يرضي طموحه، وجيل آخر يفضّل أن يجازف بعمل يبتدعه، وإن كان لا يمت إلى اختصاصه بصلة. وهذا نابع من التربية والتمسك بعزيمة الصعود ناحية القمة: "فقلة الحيلة تدفعنا إلى ابتداع أفكارنا، حين تسد في وجهك الأفق أنظر في داخلك ستجد ضوءاً خافتاً يتصاعد، حين تركز داخله تنقشع أمامك رؤيتك لحالك، تعرف كيف تسيّر مصيرك، وتهزم عدوك "الخمول".

هي فلسفة وضعها وسام لطريقه: "كنت أمضي وقتي في صالات النت، كانت أمي دوماً تدعوني إلى أن أختار سبيلاً لعمل ما، غالباً ما كنت ألجأ إلى الرسم لتقطيع الوقت، إلى أن اقترحت عليّ والدتي تصميم أزياء للحيّ وخياطتها؟" تلك الفكرة لاقت استحسان وسام: "دخلت معهد تعليم خياطة، وبدأت أصمم وأخيط. وهكذا ولد مشروعي الصغير من ركام الظلمة".

بيد أن سؤالاً واحداً لا يزال يلح على وسام: "ترى هل ستحظى مبادرتنا بلفتة دعم وتشجيع من الدولة؟" سؤال يقع في مرمى الدولة التي تبدو غائبة عن كل شيء، فهل تتنبه إلى أن مثل هذه الفرص تشكل باباً جديداً للمساهمة في القضاء على بطالة الأفكار والشباب؟

إذاً، هي حرب رهان على المصير يخوضها شباب أثبتوا قدرة على تجاوز شبح "البطالة"، ذاك المصطلح الذي "ابتدعناه، لنأسر أنفسنا إما للهجرة، وإما للفضاء الافتراضي الذي نمضي الوقت داخله"، على ما يقول يوسف:"نبعثر حياتنا، نقتلها فنتحول عبدة شيطان افتراضي اسمه "الفايس بوك"!

هذه الحوافز تغلب عليها شبّان انطلاقاً من أن هناك كثير من الفرص والطاقات في داخلنا يجب أن نكتشفها ونستغلها.

فهل نعتمد على أنفسنا في مغالبة البطالة، أم ننتظر فرصاً من دولتنا المفلسة قد تتأخّر أو قد لا تأت أبداً؟

السابق
السجن 3 سنوات لسمسار قضائي
التالي
سمير جعجع نوّه بدعوة وزير خارجية فرنسا مسيحيي الشرق إلى إستعادة دورهم