وديعة رابين!

المسار الديبلوماسي بشأن سوريا لم يبدأ بعد، وعندما يلتقي وزير الخارجيّة سيرغي لافروف بنظيرته الأميركيّة هيلاري كلينتون يبدأ الكلام الجديّ. ومن الآن الى حينه، هناك فاصل من الوقت يجري "تقطيعه" عن طريق استمزاج آراء المعنييّن، والوقوف على خاطر هذا الطرف الإقليمي، او ذاك "الشريك" الدولي، حول الحلول والمعالجات.

ويبدأ المسار الديبلوماسي من منطلقين: دولي – إقليمي، وسوري – داخلي. دوليّا: هناك خارطة طريق تبدأ من أن إسرائيل معنيّة بما يجري في الداخل السوري، ومعنيّة أكثر في معرفة المستقبل الذي يحضّر لـ سوريا، والمصير الذي ينتظرها. وهذا كان بندا في المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض مع الرئيس باراك أوباما.

ويأتي الموفد الأممي كوفي أنان الى دمشق ليفاوض نيابة عن الأميركييّن، انطلاقا من أولويات يمكن اختصارها بالآتي: تريد الإدارة الأميركيّة فك الارتباط ما بين دمشق وطهران، وإبعاد سوريا – النظام عن المحور الإيراني، وهذا – إذا ما تحقّق – يريح إسرائيل والخليج. ولتحقيق ذلك، لا بدّ من العودة الى وَصل ما انقطع على المسار السوري – الإسرائيلي، انطلاقا من العودة الى وديعة رابين، وتشغيل المحرّكات الديبلوماسيّة في كلّ اتجاه، للوصول الى مكان يمكن معه إبرام اتفاق سلام، مقابل أن يفكّ النظام رباط تحالفه مع إيران و"حزب الله".

ويُصار على خطّ مواز، تحقيق سلّة تسوية داخليّة تأخذ بعين الاعتبار الإصلاحات التي تريدها المعارضة بكلّ أطيافها، وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة جامعة برئاسة شخصيّة مرموقة محسوبة على المعارضة تتولّى الإشراف على المرحلة الانتقاليّة، وإجراء الانتخابات النيابيّة والرئاسيّة، وتحقيق تداول السلطة، والسماح بالتعدديّة السياسيّة.

ويفترض أن يحظى هذا العرض بموافقة موسكو أولا، وذلك ممكن – بنظر الغربييّن – شرط الاعتراف لها بأمرين: إنها الطرف الدولي الأقوى في دمشق، والممسِك بغالبيّة الأوراق، والمفاوض الأساسي الذي "يمون"، ويستطيع تقريب وجهات النظر. ثمّ الاعتراف لها بدور على مستوى الشرق الأوسط، وملفاته الساخنة.

"ولا يمكن القول فول، ما لم يصبح في المَكيول"، وما يجري حاليّا على مستوى دوائر القرار هو معالجة عقَد أربع:

الأولى: إن الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، وبعض الدول الأوروبيّة ترى أن هذا العرض ممكن، ولكن مع من سيخلف هذا النظام، وبعد سقوطه، ولا تسوية معه، لأن فرصاً كثيرة سبق وأتيحت للرئيس بشّار الأسد عندما كان في عزّ سطوته، ولم يلتقط أيّاً منها. وإنّ تعويمه في الداخل بات جزءا من مشكلة، ولم يعد جزءا من حل، في حين أن موسكو تتشبّث بأن يكون النظام جزءا من أي تسوية، أو حل.

الثانية: إن العنف فاق كلّ تصوّر، وفاتورة الدم أصبحت عالية الثمن، ولا يمكن لأحد أن يتجاهلها، ولا بدّ من إيجاد رافعة داخليّة تكون قادرة ومهيأة لتلقّف التسوية بشقّيها الداخلي – الإصلاحي، والإقليمي – الدولي، ولا بدّ من حضن عربي – خليجي يحتضن هذا الجديد، ويتلقّفه بعناية خاصة، وعلى قاعدة "أن الانتفاضة قد استرجعت سوريا من الحضن الإيراني الى الحضن العربي؟!".

أما العقدة الثالثة فتكمن بالنظام، هل هو قادر أن يغيّر جلده بين ليلة وضحاها؟ وهل هو مهيّأ أن يقبل بما سبق ورفضه طوال العقود الأربعة الماضية؟ ثمّ هل إنّ إسرائيل معنية بهذا الحل؟ لقد حاول الرئيس أوباما ان يقنع نتنياهو في لقائهما الأخير بأن البديل عن الحرب والمواجهة المباشرة مع إيران هو تفكيكها من الداخل، والاستمرار بعزلها، وشدّ خناق العقوبات الاقتصاديّة عليها، وإن فك التحالف السوري – الإيراني يخدم هذا المخطط، إلّا أن نتنياهو – وفق تقارير ديبلوماسيّة – لم يوافقه الرأي، وطرح معادلة تقول: "إنّ تفتيت سوريا يقود حتما الى تفتيت إيران، فلماذا يتوجّب على إسرائيل أن تدفع الثمن غاليا، فتنسحب من الجولان، وتعيد تعويم النظام السوري؟!"، وكان الردّ: "إنّ روسيا قد أصبحت في سوريا، والبديل عن النظام السوري قد يكون الفوضى، خصوصا إذا لم تسَوّ قضية هضبة الجولان المحتلة؟!".

الرابعة: إن الاصطفاف الدولي – الإقليمي، كما هو الآن، يقود الى دفع سوريا نحو حروب أهليّة طاحنة، وأقاليم مذهبيّة متناحرة لا تعرف الاستقرار. وإن الدعوات الى حقن الدماء، لا يمكن أن تتحقق إلّا بتسوية ما بين روسيا والولايات المتحدة، تسوية تأخذ بعين الاعتبار السقف الدولي، والسقف الإقليمي، والعربي، والداخلي. تسوية تراعي مصالح الطبّاخين… ولكن على حساب من؟ هل تكون على حساب النظام؟… أم على حساب سوريا؟!

السابق
الاهتمام الاميركي يتحول من سورية الى ايران
التالي
النهار: أنان يحضّ الأسد والمعارضة على حلّ سياسي وتعزيزات إلى إدلب وانشقاق مسؤول نفطي