عن علي وقصص الادمان… الهدوء غير الحذر في حرب المخدرات الى متى؟

كل يوم أصادفه…أسمع عزف منجيرته الحزينة يجلس على صخرة يراقب قطيع الماعز…إنه علي الكل يعرفه..الكل يحكي قصته..شحوب وجهه وانطوائه ووحدته كلها تسرد قصته "مع الادمان" الذي بدأه في سن ال15، "غادر المدرسة ليلتحق بركب "المتسكعين" على الطرق وما ادراك ما اخلاقهم" تقول والدته التي تعيش حالة يأس، فجأة يتوقف عزف المنجيرة ليرتفع صراخه ينهش جسده يحاول ان يقتل كل من يصادفه يسرق الاموال ممن يصادفه ليهرب الى ملاذه حفنة من المسحوق الابيض، يتجرعها بشراهة غير مبالي بإرتداداتها، يسن قانون وشريعته ودولته الخاصة إسوة بغيره".

وحده سؤال أمه "ماذا أفعل؟" يقطع ذاك المشهد وسط تلعثم كلماتها التي تسرد ما آل اليه حال ابنها " تبدلت طباعه، أصبح نِكدي، فَجْ في تعامله معي، أدمن على "الكوكايين" والابر" كنت أرى أثرها على يديه، حاولت ان أعالجه ولكن مستشفيات المنطقة لا تُؤمن علاج للمُدمِن، وإن أبلغت عنه فالقوى الامنية سرعان ما تطلق سراحه، فيما العيون غافية عن التجَار لماذا؟

هي حرب شرسة، شمولية، ناعمة ولكنها خطيرة، كَثر الحديث عنها في منطقة النبطية، تستهدف الفتك بالعقول عبر إغراءات جنسية "عالية الجودة"، يصارع داخلها الجنوب اللبناني… المخدرات هي ذاك الهدوء غير الحذر…هي الهدوء المميت..الذي تعقبه عاصفة كبرى لا تحمد عقباها، تتطاير فجأة شظاياها بعيدا في متاهات حياة أصبحت بنظر من إستساغوا "ألاعيبها" إفتراضية. لأنهم عبرها يذهبون أبعد من حدود الغرفة الضيقة التي "يلْتمون" داخلها..

البحث في ذيول هذه "الفلسفة المستجدة" يكشف حجم الهوة التي يسقط داخلها الشباب، فيلجأ الى من يخفف من وجعه الوهمي "قنبلة المخدرات"، قنبلة "هبطت علينا هذه المرة بإرادتنا، إيماناً من أننا نبتعد عن مشاكلنا وهمومنا" بثقة يقول يوسف هذه الكلمات قبل أن يؤكد أنه "من عشاق حبوب الهلوسة التي تأخذني في رحلة سفر الى عالم جميل كل شيئ فيه يلمع، والضحك والمرح هو موسيقاه وأغنيته". ولكن من أين تحصل على تلك الحبوب؟ "من الصيدليات عبر وصفات مزورة تمكننا من أن نستحصل على أدوية ترافال، أسيسي، آرتين نأخذها بجرعات عالية تساهم في تخدير "المخ"، هي أشبه بالمخدرات ولكن ب"دوز عالي" كما يقول علي الذي يلاحق هذه الحرب عبر تَعقبه لخيوطها المتشابكة قبل أن يرمي" باللائمة على من يمهدون الطريق لهذا الامر!!..تٌرى من يتحمل المسؤولية؟ كيف يستحصل الشباب على تلك الادوية المهلوسة…من يروج لها؟. وهل يوجد مراكز للمعالجة في النبطية وما دور المجتمع المدني؟.

حرب المخدرات
يُقر الباحث الإجتماعي الدكتور هاشم بدر الدين أننا "أمام حرب لضرب شبابنا بالمخدرات، يستدرجونهم كالمغناطيس إليها لديهم أساليبهم ونفتقد للanti-virus" ، مؤكداً أننا "أمام إنزلاق خطير، يجب الحد منه وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها"، هنا يسأل رئيس جمعية "بلاد" الدكتور أحمد عياش كيف يعقل "أن تبيع وزارة الصحة "السوبوتكس" في صيدلية مستشفى رفيق الحريري وهو عبارة عن مورفين مصنّع" مؤكد أنه "ربما يكون اسؤأ بكثير من التعاطي".
منحى أخر تسلكه حرب المخدرات على ساحة الوغى المثقل، تصطاد فريستها ممن هم "عاطلون عن العمل وعن التفكير..ضعاف النفوس وتقدم إليهم وجبة الأبيض على طبق "جنسي"، ويساهم في الامر وفق عياش "الاضطرابات النفسية الخاصة، الاجتماعية، الاقتصادية والعائلية وتضاف من بعدها حب الحشرية والاعتقاد الخاطىء بالقوة والسيطرة واقتحام صعوبات المجتمع، والبحث عن اللذة باي ثمن". وهنا يتسنى لعياش الوقوف عند شرفة الابعاد السيكولوجية التي تعتري تفكير المدمن بدءَ" "برغبة الإنتحار المستتر لديه، السفر عبر الخيال لتعويض صعوبات الواقع تشتته وعبثية الافكار والخمول والانطواء, حالات الذهان الحاد والمزمن، السرقات والجرائم والاحتيال والتورط بالسوء".

إذا نحن أمام منعطف خطر، المطلوب علاج جذري من كافة شرائح المجتمع، بيد أن الواقع يسقط القناع عن هذه الألية إذ أنك ما إن تعزم للحديث عن المخدرات أو حتى نقاشه "يَكم على أنفاس سؤالك، بحجة "عدم تشويه صورة المنطقة وحساسية الموضوع في هذا الظرف الحساس"، وبالتالي يصعب عليك حتى الحصول على نسب واقعية تظهر مدى إستفحال المشكلة، بإستثناء ما يرشح من تَقصيك للواقع من بعض المصادر الأمنية لتكشف "أنه حين يجري توقيف 20 متعاطي ذاك يعني أنها هناك 60 يتعاطون حشيشة الكيف والحبوب المهلوسة كونها أرخص نسبيا ولكن لها مفعولها السيئ على الجسم "تترك عاهات مستقبلية من بينها "ألعقم" الفكري والجسدي والاولاد" وإذا ما ربطنا الامر بالتوقيفات الشبه يوميا فالنسبة كبيرة حتما..

الاخطبوط
يشبه محمد المخدرات "بالاخطبوط الذي ينقض على فريسته يمتص دمها على مرآى من الكل، فيما المصحات ما زالت محجوبة عن المنطقة وتقتصر على برامج التوعية التي لا تمس اصلا المدمن"، وخير شاهد على الأمر مشروع "معاً نحمي ونبني لنرتقي: تحصينا لمجتمعنا من آفة المخدرات وآثارها" الذي ينطوي في تجلياته على توعية من مخاطر المخدرات "السرطان العجيب" التي اطلقته جمعية عمًار الدولية والذي يصب في خانة "التوعية" وفق ما يؤكد منسق المشروع حسان جابر الذي يلفت الى أننا " سنعمل على بث التوعية من المخدرات في المدراس التي سننشئ فيها أندية طلابية تتألف من شخصين الى 5 أشخاص..شرط أن يكون الشخص فعال ويملك حس المسؤولية" لأننا" نحرص على تقديم وجبة توعية مختلفة، تعتمد الكلمة سلاح فتاك "أٌوعى تجرب..بَعِد عنها…"، على ان نستكمل الخطوة بمخيمي صيفي توعوي يمكن المنضوين تحت لواء الاندية من احراز فعالية كبرى لخلق استقلالية للتوعية أي أن دورنا يقتصر عند هذه الحدود، والباقي تتكفل به القوى والاجهزة الامنية والبلدية".

إذا كل البرامج تستهدف الشريحة الغير مدمنة فيما الذي يتخبط بإدمانه يعيش الصراع الأخر، يعيش دعارة العقل الذي حَبِل من سموم الابيض، فتحول الى عبد للتاجر والُمروِج اللذين يتلاعبان بجيل "الطعش" بما يحلو لهم ولا من يحاسب بل إن سُجّل توقيف مروج فالتاجر حر لماذا "لأن هناك تغطية عليه..طعمي التم بتستحي العين" تقول فدوى التي ذاقت ذرعا من إدمان أخيها بسب "أولئك التجار الذين يبتدعون إسلوب جديد في تجنيد الشباب والصبايا لعمالة المخدرات، بحرقة تقول""يضعون حبوب ما في العصير والقهوة، بعد 3 مرات تبدأ فورة "العشق المجنون"، تستتبع الحشيش والحبوب وتتطور الى الزواج المحرم مع الانواع الاخرى" هنا يشدد الباحث الإجتماعي الدكتور هاشم بدر الدين على ضرورة "أن تضرب الدولة بيد من حديد تجار " السم الابيض"، وأن تضع رؤية مختلفة من ناحية النظر الى المدمن على أنه مريض وليس مجرماً ، وتلزمه بالخضوع الى مراكز متخصصة بفترة زمنية تحدد حسب الحالة ، إضافة الى إجباره ببعض ساعات الخدمة الاجتماعية دورياً التي آن الاون ان تنطلق بفعالية في مجتمعنا".
بإختصار تشبه حرب المخدرات، الجدليات المتناحرة حول حياة وموت، وما بينهما مجتمع يُدمَر على مرمى دولة بكاملها، لا تتوج معالجتها لهذه الظاهرة بمراكز تخصصية تابعة لها دولة تصرف نظرها عما يعتري المجتمع من إرهاصات لتتلهى بإمور ليست أهم من تحصين مجتمع من "القنابل الموقوته" التي رٌشقت على شبابه لتحوله الى مجتمع عاق، غير قادر على مواجهة عدوه، على امل أن تنحسر تلك الافة يبقى الرهان على المجتمع المدني التي يبدو انها تلعب دور الدولة وبكفاءة عالية.

السابق
الحجار: تحولات المنطقة وراء اطلاق وثيقة المستقبل
التالي
هل يمكن إدمان الهواتف الخلوية؟