برقة .. والفيدراليات

الإعلان عن إقليم برقة إقليماً فيدرالياً ليبياً خطوة لها دلالات سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الأهمية، وهي تصدّق الحديث المتنامي عن العودة إلى «الهويات الضيّقة» بصيغتها الجهوية والقبلية والعرقية في بلاد ليس فيها تناقض مذهبي وطائفي كباقي الدول العربية التي تشهد حِراكاً.
وهذه العودة تؤكد أنّ ردَّ فعل الشعوب والمجتمعات على سنوات الاستبداد الطويل التي عاشتها إنّما تأتي على شكل رفض وتقوقع وعصبيات تُهدِّد وحدة الكيانات التي نشأت بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية واتفاقية «سايكس بيكو».
في الواقع، الفيدرالية ليست شراً مُطلقاً إذا لم تكن تمهيداً للانفصال والتجزئة والتفتيت، وهي واحدة من الحلول السياسية والقانونية للتعامل مع المجتمعات التي تتميّز بالتعدُّد والتنوّع والخصوصيات الثقافية، وهنالك العديد من الأمثلة حول تجارب فيدرالية ناجحة تؤكد بعض الخصوصيات والاستقلال الإداري والقضائي، لكن في إطار وحدة الدولة والمجتمع.

بمعنى أنّ النظام الفيدرالي في هذا المجال يأتي ليُعزّز الوحدة من خلال الاعتراف بالتنوّع والتعدّد وهي نظام سياسي في الدرجة الأولى يعطي الجهات والمناطق والجماعات استقلالاً إدارياً موسّعاً مقابل تسليمها بالسياسة الأمنية والدفاعية والخارجية للدولة الفيدرالية الممثلة لمصالح الجميع.
الخطورة في دولة مثل ليبيا تكمن في أنّ الفيدرالية التي أُعلنت في إقليم برقة، هي واحدة من ثلاث دول كانت قائمة قبل الاستقلال وتوحيد البلاد بزعامة الملك إدريس السنوسي، وهي برقة وطبرق وطرابلس.
ومن الممكن أنْ يدفع عدم الاستقرار والصراع على الثروة، وعدم وجود أصوات وحدوية إلى خطوات أخرى تصعيدية من قبل أطراف آخرين تؤدي في النهاية ليس إلى إقامة «ليبيا الفيدرالية المتحدة» إنّما قيام دول متنافرة ومتناحرة ومتصارعة على الثروة والنفوذ. وهذه وصفة طويلة لعدم الاستقرار والإقامة طويلاً في المجهول.

السابق
ساعة الحكماء
التالي
صين ومخاليع