القوات تأكـل أخضر 14 آذار ويابسها

كراسيهم في المهرجانات واحتفالات تيار المستقبل ثابتة. أما شعبيتهم، فما عادت لهم. صارت للقوات اللبنانية. الحديث هنا عن مستقلي 14 آذار الذين يفقدون حضورهم الشعبي والإعلامي لمصلحة القوات اللبنانية

يمكن المعنيين بملفات المفقودين أن يضيفوا أسماءً جديدة إلى تلك التي تتهم بعض الأمهات رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع بالمسؤولية عن اختفائها. من هذه الأسماء: نايلة معوض وسمير فرنجية وجواد بولس وفريد مكاري وبطرس حرب وحزب الكتلة الوطنية وحزب الوطنيين الأحرار ووجهاء التجدد الديموقراطي وحزب الكتائب اللبنانية في الشمال وجبيل وكسروان ومطران لقاء قرنة شهوان ووجهاؤه أيضاً وميشال المر والهنشاك والرامغافار والمستقلون المناوئون للتيار الوطني الحر في بعبدا وزحلة وكل القوى التقليدية الأخرى في المدينة نفسها وتقليديو جزين وإدمون رزق وسيمون كرم وروبير غانم وغيرهم كثيرون.

في المتن الشمالي، باتت القوات اللبنانية القوة الانتخابية الثالثة بعد التيار الوطني الحر والكتائب، متقدمة حزب الطاشناق والنائب ميشال المر وكل الآخرين. مع العلم بأن الكتلة العونية الناخبة مستقرة، وبالتالي فإن القوات تأكل من صحني الكتائب والمر بعد أكلها صحن النائب نسيب لحود كاملاً، لا من الصحن البرتقالي. ويتبين في غالبية المجالس البلدية المتنية التي دخلتها القوات أن الأعضاء القواتيين إما كتائبيون سابقون أو من عائلات كانت كتائبية. ويذكر على صعيد علاقة الكتائب والقوات أن التنافس بينهما للفوز بمرتبة الحزب المسيحي الثاني بعد التيار الوطني الحر انتهى منذ أكثر من عامين، بفوز ساحق للقوات. ومن «الشمالي» إلى المتن الجنوبي. يؤكد غالبية المتابعين صعوبة الحديث في الانتخابات النيابية المقبلة عن مرشحين مستقلين على شاكلة إدمون غاريوس أو بيار دكاش؛ فقد كثفت القوات جهدها في هذا القضاء على استقطاب جمهور هؤلاء لبناء حيثية تمكنها من الجلوس بندية على طاولة المباحثات الانتخابية مستقبلاً. وهنا أيضاً تشير آخر دراسة إحصائية أجريت إلى أن القوات التي لم تكن بين القوى الثلاث الأولى في بلدات هذا القضاء المسيحية، باتت القوة الثانية بعد التيار الوطني الحر، في ظل تمكن القوات من جذب الكثير ممن بقي في حزب الوطنيين الأحرار بعد النزوح الكبير من الشمعونية إلى العونية في مطلع التسعينيات. وفي اتصال مع رئيس الأحرار النائب دوري شمعون، يقول الأخير لـ«الأخبار» إن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع يملك القدرة المادية للتحرك والإمكانات الإعلامية. «لديه مثلاً إذاعة صوت لبنان الحر التي تنقل أخباره أكثر من غيره». يشدد شمعون على عدم وجود خلاف بين الأحرار والقوات، وعمل جميع أفرقاء 14 آذار كفريق واحد، و«إن كانت القوات تستفيد أكثر من غيرها من هذا الأمر». الفرق بين «الأحرار» وغيرهم، يقول شمعون هو في «عدم الطنطنة كلما تحركوا»، كاشفاً عن وجود مشكلة جدية في توفير الخدمات للمناصرين الذين «نلبيهم بالتي هي أحسن». ورداً على سؤال بشأن كيفية تدبر أمور حزبه المالية، يجيب شمعون: «والله يا ريت بتبعتلي، نحن بعل». أخيراً يعترف شمعون باستقطاب القوات لبعض الأحرار، «وخصوصاً بين الفريخات» وفي مختلف المناطق والقطاعات التي «تنشط فيها القوات أكثر منا».
وفي كسروان، باتت القوات ـــــ خلال عام واحد من العمل الحزبي الجدي ـــــ القوة الانتخابية الثانية بعد التيار الوطني الحر: لم يعد يمكن النائب السابق منصور البون نصح جعجع بالعودة إلى بشري؛ لأن لكسروان عائلاتها؛ باتت القوات واحدة من أكبر العائلات. هنا كان الأمين العام للكتلة الوطنية كارلوس إدة المرشح المعجزة في الانتخابات السابقة، لكن إدة اختفى من الحياة السياسية والإعلامية عدة أشهر، باستثناء إطلالاته في «دمى قراطية». بعد التهام التيار الوطني الحر أكثر من ثلاثة أرباع الكتلويين، تركز القوات جهدها في جبيل وكسروان على التهام ربع الربع الكتلاوي الباقي بإمرة إدة.
في كسروان أيضاً، تتغلغل القوات بين أنصار الوزير السابق فارس بويز والنائبين السابقين فريد الخازن وكميل زيادة لتجدد حضورها فوق أنقاض هؤلاء. ويشير أحد المطّلعين إلى بدء القوات منذ نحو سنتين باسترداد أمانتها من نواب كسروان السابقين. فبعد دخول جعجع السجن، التحق كثير من أنصاره، ولا سيما أولئك المستفيدون من الكازينو ومرفأ جونية والمرافق السياحية بزعماء الأحياء الكسروانية. لكن بعد سقوط هؤلاء في الانتخابات وعودة القوات إلى السلطة، قصد غالبيتهم معراب حاملين أوشمة الحروب السابقة لتذكير «الحكيم» بتضحياتهم، مبدين حماسة لإعادة الانتساب إلى حزبهم الأول. وهكذا يكاد ينحصر الكلام الانتخابي الجدي اليوم في كسروان بقوتين أساسيتين على صعيد 14 آذار: البون في الفتوح والقوات في سائر المناطق.

ومن كسروان إلى جارتها جبيل. لا ينافس القوات على الموقع المسيحي الثاني بعد التيار الوطني الحر إلا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. ففيما يشن «الأمين العام» لقوى 14 آذار فارس سعيد الهجوم تلو الآخر على مطران جبيل السابق البطريرك بشارة الراعي، مضيعاً وقته في شرب القهوة والتعليق على ما تشيعه قناة «العربية» عن زيارات مسؤولين إيرانيين للبنان، تؤطر القوات وجودها التنظيمي في جبيل، من دون أن تقطع مع البطريرك. ومن الجبل إلى جزين، عملت القوات في الانتخابات البلدية الأخيرة وفق خطة أساسها احتضان كل من يختلفون في الموضوع الانتخابي مع التيار الوطني الحر. وبذلك، تحولت بيئة النائب السابق سمير عازار ذي الحيثية الجزينية التقليدية المناوئة لما كان يعرف باليمين المسيحي، إلى بيئة حاضنة للقوات اللبنانية التي تبذل جهداً استثنائياً لتلبية أنصار النائب السابق إدمون رزق في جميع الخدمات التي يحتاجون إليها. أما في بيروت، ففاجأت القوات حلفاءها قبل الخصوم بتركيز جهدها على بناء حيثية أرمنية، بعد اكتشافها أن البنية التنظيمية للأحزاب الأرمنية المناوئة للطاشناق أكثر هشاشة بكثير من بنيتي الكتائب والنائب ميشال فرعون. وهكذا باتت القوات تمثل القوة الأرمنية الثانية بعد الطاشناق في بيروت، في ظل التراجع الكبير لنفوذي الهانشاك والرامغافار في العاصمة. أما شمالاً، فيصارع هادي حبيش للحفاظ على بعض حيثيته في بلدته القبيات العكارية، فيما يصرف نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري من جيبه (لأول مرة في حياته السياسية) ليبقي أصابع قدميه على البساط الشعبي الكوراني الذي تكاد القوات أن تسحبه من تحته. بدوره، يرفض النائب السابق جواد بولس في اتصال مع «الأخبار» اتهام القوات بابتلاع مستقلي 14 آذار. برأيه، إن «البلد كله جامد، نحن وغيرنا، تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار».
الأكيد ختاماً أن أكل القوات أخضر قوى 14 آذار ويابسها يخسر قوى 14 آذار التي تفقد وجهها المدني لمصلحة الوجه الحزبيّ، لكنه في المقابل يربح القوات ويوفر لها حيثية لا يمكن أن تستوردها من الصين. الأمر نفسه فعله التيار الوطني الحر قبل خمس سنوات مع حلفائه المسيحيين، فامتصّ دم بعضهم واستغنى عن خدماتهم، وأبقى البعض الآخر ريثما يتأكد من استقطاب التيار جميع أنصارهم.

حرب الأكثر حفاظاً على شعبيته

في البترون، ينضم النائب السابق سايد عقل إلى قائمة المفقودين بعد ذوبانه شعبياً في دائرة القوات الحمراء، والكتائب اللبنانية كذلك. بينما ينجح النائب بطرس حرب في الحفاظ أكثر من جميع زملائه المستقلين في 14 آذار على شعبيته، متكلاً على نيابته المستمرة (خلافاً لنايلة معوض وفريد هيكل الخازن وسايد عقل وبيار دكاش ومعظم الآخرين) من جهة وعلى تركيز القوات جهدها البتروني على الساحل الذي يُعَدّ منطقة النفوذ الأساسية للوزير جبران باسيل، تاركة لحرب الاهتمام بتنورين والجوار. ويقول حرب لـ«الأخبار» إن «القوات حزب منظم يزداد حضوراً يوماً بعد يوم بنحو طبيعي، يرتفع تأثيره في الرأي العام وينخفض تبعاً للظروف». وطبيعي، بحسب حرب، أن «تبرز الأحزاب أكثر من القوى المستقلة نظراً إلى ما تتمتع به من قدرات إعلامية»، ولأن «كل مناصري الحزب في مختلف المناطق يواكبون الحزب في احتفاله بنشاط هنا وآخر هناك، فتسمع لبنان كله يواكب الحدث». حرب يتردد قليلاً في الإجابة عن السؤال بشأن قضم القوات بعض أنصاره، قبل أن يحسمها: «في المسح الإجمالي لا تزال قوتنا كما هي، نتعاون مع القوات، لكن لكل منا شخصيته». ومن البترون إلى زغرتا، هنا تسعى القوات إلى إنشاء حزب جدي في القرى، نظراً إلى هشاشة البنية العائلية فيها مقارنة مع العصبية العائلية في مدينة زغرتا، والتي تحول دون تمكن القوات من تحقيق اختراق حقيقي.

السابق
صين ومخاليع
التالي
السفير: روسيا تتهم ليبيا بتدريب مسلحي المعارضة … وواشنطن تقدم تجهيزات اتصال