فلسطين والثورات العربية

لو لم يكن للثورة السورية غير فضلٍ واحدٍ وهو إهمال أو إسقاط تزويرات مُدّعي الممانعة والمقاومة، لكان ذلك كافياً! فكيف والطموح ان تتمكن الثورة من تغيير الوضع الاستراتيجي بالمنطقة، فلا تعود قضايا العرب ومصائرهم واعناقهم بأيدي الاسرائيليين والاميركيين والروس والإيرانيين!

لقد مضى علينا زمانّ طويلّ، أي منذ العام 1973، والانظمة الثورية العربية تتولى قضية التحرير، تحرير فلسطين والاراضي العربية الاخرى. وبعد القرارين 242 و338، آثرت الانظمة ان تعهد بالتحرير الى التنظيمات القومية والاسلامية، وأن تدعم هي من وراء وراء. فقد نصّ القرار الدولي انه بعد وقف إطلاق النار وفصل القوات، لا بد ان تدخل الاطراف في مفاوضات عميقة ودقيقة من اجل التوصل الى معاهدة سلام، تتضمن استعادة الارض العربية، واقامة الدولة الفلسطينية. ولذا ولتعذّر الحرب على اسرائيل، انصرفت الانظمة لتسليح الفلسطينيين، ثم لتسليح الاسلاميين الذين تمونُ عليهم من حماس والجهاد والمنشقين عن «فتح»، والى التنظيمات الأصولية وبعض القومية، والتي انحطت طاقاتها وقدراتها بفعل الضغوط والاستقطاب. ثم جاء المحور الايراني – السوري لرعاية مشروع التحرير في غياب الدول العربية الاخرى، فزعزع الدول، وقسّم المجتمعات، واستبدل بالتحرير الخلود في السلطة بالمشاركة مع الاعداء المعلنين.
إنما الذي حصل الآن، بل ومنذ سنة، ان أولوية الشعوب العربية صارت للحرية، بينما انصرفت دول الخليج للاعتناء بالقضية الفلسطينية، ولحفظ تماسك الجامعة العربية. ولديها ولدينا عملٌ كثيرٌ بشأن جَمْع الفلسطينيين، وبشأن تجديد الوعي، وبشأن المثقفين والسياسيين وعلائقهم الغامضة بالثورات وبالتغيير!

وأنا اقول هذا الكلام، بسبب الحديث المندلع عن القمة العربية ببغداد، وفي تقديري فإن فلسطين ستكون على رأس جدول الاعمال هناك، لأنها من كبريات المشكلات بالعالم، ولأن السلطات العربية ينبغي ان تُعالج هذه القضية لسببين: استعادة الدور والوظيفة، والإسهام في صنع الإقليم الجديد بموضوعات جديدة وليست قديمة. وكانت المرحلة الماضية قد خلت من الحرية، لكنّ الانظمة قالت إنها تُلغي حرية المواطنين من اجل التحرير! فما حصل شيء من هذا او ذاك، وصار التحرير ومكافحة التشدد، سبيلين للبقاء في السلطة – في حين ما تمكنت الشعوب من الانطلاق، فذهبت الملفات العربية والاقليمية الى اسرائيل وايران وتركيا، والتي انصرفت الى ادارة شؤوننا بالاختلاف او بالتضامن!

إننا محتاجون اليوم كما كنا محتاجين بالأمس الى الحرية والتحرير. وها هي الحرية تتحقق بالتدريج، وينبغي ان يتحقق التحرير في الزمن العربي الجديد، ما دام الزمن القديم بأبطاله وزعانفه قد عجز عن ذلك، وهو يمضي الآن بصعوبات جمة إلى غير رجعة، ليستقيم أمر الحرية، ويستقيم امر التحرير.

السابق
تجمّع سياسي شيعي
التالي
هل صحيح ما ذكر في الويكيليكس عن انقلاب ايراني على نظام الاسد في سوريا؟