عراق الأمس سوريا اليوم؟

تكاد سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها رئيس السلطة السورية تشبه تلك التي اعتمدها صدّام حسين غَدَاة طرده مع قواته من دولة الكويت في العام تسعين، والتي واجه فيها انتفاضة شعبية كبيرة تركزت في جنوب العراق، وكادت تطيح به تماماً آنذاك لولا مَدَد غير متوقع أتاه من حيث لا يتوقع!
في الشكل السلطوي والأدائي تتشابه ظروف الوضعين. وفي المضمون تتشابه مأساة شعبَي العراق وسوريا اللذين أصيبا ببلاء إجرام محلي سلطوي لا مثيل له ولا سقف يحدّه، وأصيبوا في الوقت ذاته ببلاء حسابات خارجية أطالت في المحصّلة، مدّة ذلك البلاء قبل أن تعود هي ذاتها للقضاء عليه!

والتاريخ يقول إنه لولا الموقف الأميركي بعد حرب تحرير الكويت، الذي قضى بالامتناع عن ملاحقة فلول الحرس الجمهوري العراقي الى داخل العراق، والامتناع أيضاً عن فرض منطقة حظر طيران، مباشرة آنذاك، لما أمكن لصدّام أن يقضي على الانتفاضة ولا أن يخنقها بدباباته ومروحياته الحربية، ولما بقي في مكانه أكثر من عشر سنوات، كانت كافية تماماً لتدمير كل مقوّمات الدولة الاقتصادية والمالية والإنمائية والبشرية والاجتماعية.. ولم تسْلم إلاّ أجهزة العسكر والأمن، بل تُركت هذه تعسّ تحت وطأة الحصار، الى أن حان وقت "قطافها" في مثل هذه الأيام من العام 2003.

كأن المواقف الراهنة من الوضع السوري تشي "برغبات" مكبوتة مماثلة وغير بريئة إزاء سوريا في مجملها وليس إزاء السلطة فقط. وإلاّ ماذا يعني ذلك "التطنيش" عن المجزرة الجاري ارتكابها في هذه الأيام، والتأكيد المتكرر بأن الخيارات السياسية والديبلوماسية والعقابية هي فقط الموضوعة على الطاولة وفي جدول الأعمال؟ وهل صحيح، في النهاية، ان روسيا وحدها تسند تلك السلطة وتغطي أعمالها، ولا يستطيع العالم كله في المقابل، أن يقارب ذلك الإسناد بما يليق به؟! أم ان الأمن الإسرائيلي يبقى أهم من كل السوريين والعرب؟!

الأجوبة مهمّة ولكن ليس كثيراً.. طالما أن النتيجة الوحيدة المحسومة في ظنّ الداخل والخارج، وفي مطوّلات و"مقصّرات" المواقف المعلنة، هي أن شيئاً أياً يكن، لن يمكنه إعادة بناء سلطة الأسد فوق ركام الاجتماع السوري، الكياني والبشري.. وذلك معطوف على الأساس الأول الذي يفيد بأن ثورة سوريا هي صناعة وطنية صافية وليست مستوردة، وأنها بالتالي، لا تحتاج (كثيراً!) الى قطع غيار من الخارج كي تظل على وتيرتها وحراكها الهادر.. والله أعلم!

السابق
هل صحيح ما ذكر في الويكيليكس عن انقلاب ايراني على نظام الاسد في سوريا؟
التالي
الراي: واشنطن طالبت بيروت بحماية أفراد الجيش السوري الحر