بين رفض الزوجة وإصرار الزوج

"لم أرغب يوماً في إنجاب طفل، بات الجميع يعلمون ذلك. فهو يحتاج الى رعاية وعناية، والى تنازلات وتضحيات جمَة لست مستعدة لها"…

يعتبر قرار إنجاب الأطفال قراراً مشتركاً يتخذه الزوج والزوجة بالتوافق، وكثيراً ما نسمع عن عدم رغبة أحدهما في إنجاب الأطفال وغالباً ما يكون الزوج لأسباب متنوعة، ولكن ماذا لو تخلّت الزوجة عن رغبتها في الإنجاب من دون وجود معوقات بيولوجية؟ وماذا لو قررت الحامل التخلص من جنينها؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء اتخاذها مثل هذا القرار؟

أسباب اقتصادية
ما ان بلغ إبنها البكرعامه الثاني، حتى بدأ زوج كارول يلمح الى رغبته في إنجاب طفل ثانٍ. لكن، رغم رفضها القاطع وتجنبها حصول مثل هذا الأمر، إلا أن الحمل حصل، فماذا فعلت؟ " لا أزال أرفض الحمل قبل أن تتحسن أوضاعنا المادية، فأنا أتنقل من عمل الى آخر وأساعد زوجي في توفير مصاريف المنزل الضرورية وكذلك أقساط مدرسة إبننا، عدا الديون التي باتت لا تطاق، فكيف لي أن أُرزق بطفل جديد ونحن بالكاد نستطيع تأمين قوتنا اليومي؟". عندما علمت أنها حامل، جن جنونها وما كان منها إلا أن قصدت إحدى الصيدليات القريبة، طلباً لدواء يساعدها في الإجهاض. "كنت في مكتبي عندما فقدت وعيي وبدأت أنزف، نقلت الى المستشفى وما إن علم زوجي بما فعلت، حتى غادر المستشفى فوراً طالباً مني عدم العودة الى المنزل. وبعد أخذ ورد وتدخل الأقارب والأهل، عادت الأمور الى مجاريها".

توقيت غير مناسب
أسقطته كارول وانتهى الأمر، لكن ماذا عن مصير جنين ماجدة الذي لا يزال في أسابيعه الستة الأولى وهو يُجابَه بالرفض؟ "لم يدخل زواجنا شهره الرابع بعد، وها أنا حامل منذ شهر ونصف الشهر، لم أتقبل الفكرة ولم يكن اتفاقنا أن أحمل به بهذه السرعة، فلا يزال أمامي الكثير من الأمور لأنجزها وأستمتع بها. "بكير بعد على هالعلقة"، فما إن يرزق الأزواج بالأولاد حتى تنتهي الحرية ويدخلون تالياً في مرحلة التعب والشقاء وخصوصاً المسؤولية التي أشعر بأنني لا أزال صغيرة عليها. فالسن المناسبة للإنجاب في رأيي، تكون في الثلاثين، ولا يزال أمامي 3 سنوات حتى ذلك الوقت". لكن، لزوج ماجدة رأي آخر، ففي الوقت الذي تصرّ فيه على إسقاط جنينها الأول، يتمسك هو به معتبراً أنه "هدية من السماء وأنا أتحرق شوقاً كي أصبح أباً ولا أعتبر أن الوقت لا يزال مبكراً، بل من الضروري ألا يتأخر الزوجان في الإنجاب كي تبقى العلاقة على تفاهم وثيق مع أولادهما في المستقبل، علماً أن الإجهاض أمر مرفوض، حتى أنه يعتبر محرماً ومخالفاً لإرادة الخالق".

الخوف من الخيانة والألم
وفي حين لا يزال قرار الإجهاض موضع أخذ ورد بين ماجدة وزوجها، حسمت تانيا أمرها وعزمت على التخلص من جنينها من دون علم زوجها. "لست مستعدة في الوقت الحاضر أن أخسر رشاقتي وجمالي لمجرد إنجاب ولد أستطيع إنجابه في أي وقت، فنحن لم نزل في بداية حياتنا الزوجية والحمل يجعل الرجل ينفر من زوجته ويبعد عنها، وقد لا يتورع عن خيانتها". وإذا علم زوجها ماذا ستفعل؟ "عندها سوف أرى، فأنا أخبرته بعدم رغبتي في الإنجاب حالياً وعليه تقبل الأمر، علماً أنه هدّدني بالطلاق إذا أقدمت على تلك الخطوة". ومثل تانيا كثيرات قررن اعتماد الإجهاض كحلّ للتخلص من هواجسهن المتنوعة. ريما تلقّت خبر حملها كالصاعقة، "كنت أتبع إحدى وسائل منع الحمل بانتظام لكن ذلك لم ينفع، ونادراً ما يحصل الحمل مع الوقاية كما أخبرني الطبيب". ريما تخاف كثيراً من المستشفيات والأطباء وتخشى المرض كي لا تضطر للخضوع الى الفحوص والإبر والمباضع وغيرها، فما بالك مع الحمل وما يرافقه من متاعب وصعوبات وصولاً الى الولادة؟ "أخشى كثيراً أن أموت أثناء الولادة كذلك أخاف من الأوجاع، وهي هاجس يرافقني منذ الصغر. زوجي يعلم بالأمر ويحاول جاهداً أن يساعدني في تخطيه، لكني أفكر في الإجهاض رغم الآلام التي ترافقه،علماً أنه سيكون بالتاكيد أسهل من آلام الولادة".

ماذا يقول علم النفس؟
يُشير الإختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور ريمون حبيب الى أن الأسباب الرئيسية الكامنة وراء عدم رغبة المرأة في الإنجاب، تعود الى ردّ الفعل حيال المجتمع أو نتيجة تجربة شخصية، فيما تفضل النساء مهنتهن على الأمومة في بعض الحالات. "ومن الأسباب الأخرى، الحاجة إلى العيش بحرية من دون مسؤوليات، أو الخوف من خوض مشاعر عاطفية أو حياة مضنية، أو لأسباب اقتصادية بخت وغيرها. والحمل، يحمل الكثير من الارتباطات والدلالات البيولوجية والنفسية والإجتماعية التي تؤثر في استقبال المرأة لهذا الأمر وتقبّلها أو رفضها له، والتفاعل مع الجنين سلباً أو إيجاباً حتى لحظة الولادة".
ولرفض المرأة حملها خلفيات كثيرة أيضاً منها وفق حبيب، "عدم الرغبة في تغيير شكل الجسم أو الخوف من فقدان الإحساس بالهوية الأنثوية. فالمرأة التي تكره أنوثتها تتأفف من الحمل وترفضه، وقد تكون خائفة من المعتقدات السائدة عن الحمل والولادة وما يرافقهما من صعوبات. وربما يكون الرفض بسبب توقيت الحمل غير المناسب لها بسبب أمور تخصها، او نتيجة الخوف من تدهور العلاقة مع الزوج، نظراً الى التغيير الجسدي الذي يلحق بها (وفق اعتقادها) وقد يؤدي تالياً الى خيانة الزوج، أو الخوف على مشاعر الولد أو الاولاد الآخرين في حال وجودهم".
وعن الحلول، يلفت حبيب الى إن ثمة وسائل عديدة قد تسهم في حل مشكلة رفض الزوجة للإنجاب، منها "الحوار الهادئ الحميم، ووضع الحلول التي تناسب الطرفين وتشبع رغبتهما. و من المهم جداً أن يشرح الزوج لزوجته مدى أهمية وجود الأطفال في تمتين العلاقة بينهما، ومن الضروري أن يمنحها فرصة للتفكير في الأمر".

جنينك يشعر بكِ!
يشير علم النفس الى أن الجنين يشعر برغبة الأم فيه أو عدم رغبتها من خلال المواد الكيميائية التي تفرزها غددها، فهي تختلف في حال قبول الحمل أو في حال رفضه. لذلك، فالحمل المرفوض من الأم غالباً ما ينجم عنه طفل مضطرب نفسياً (عنيد، عدائي أو إنطوائي)، وخصوصاً إذا قامت بمحاولات فاشلة للإجهاض. فالجنين تصله رسائل بيولوجية منذ أيامه الأولى بأنه مرفوض و"قدومه غير مستحب".
والغريب أن مشاعر الرفض تبقى في ذاكرته حتى لو تغير موقف الأم حياله بعد ولادته، وكأن هذه المشاعر طبعت بيولوجياً في خلاياه قبل أن يكون لديه جهاز نفسي يستقبلها ويفهمها.

السابق
الرفاعي: المقاومة جاهزة لاي حماقة يقدم عليها العدو مستغلا احداث المنطقة
التالي
مكي: للخروج من لغة المذهبية والطائفية