السنيورة: بعدما تجاوزنا الدولة الدينية نرجو تجاوز الدولة الطائفية

ثم عرض رئيس تيار المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة نص الوثيقة السياسية وقال:" نعرض هذه الوثيقة بعد تفكير ونقاش لنبسط يدنا ونقول لكل القوى السياسية في لبنان وكل العالم العربي ان هذه الوثيقة تشكل في نظرنا المساحة الفكرية والسياسية التي هي دار تيار المستقبل للقاء مع سائر اللبنانيين والعرب".

واشار الى ان "الربيع العربي الذي كانت بدايته في ساحة الحرية في بيروت انتقل الى تونس ووصلت موجاته الى ضفافنا ليشكل اليوم، وعلى الرغم ما يواجهه من صعوبات، حقبة جديدة بكل ما للكلمة من معنى، لهذه الاسباب اردنا ان نعلن ونسجل بأحرف كبيرة انحيازنا الكامل لحقبة التغيير الديمقراطي السلمي تأكيدا لالتزامنا بالديمقراطية والحرية".

وقال:"انطلقنا في هذه الوثيقة من الروح السلمية والانفتاحية التي طرحها شباب الربيع العربي للمصالحة مع النفس والآخر والانطلاق في بناء الدولة المدنية وتجديد تقاليد العيش المشترك بين الشعب والأمة".

اضاف:" اكرر يدنا ممدودة وقلوبنا وعقولنا وضمائرنا منفتحة للنقاش لنكون جميعا مع عصر الديمقراطية والشباب لنستحق بلدنا ومواطنينا".

ولفت الى "ان العام 2011 شهد تفجر حركات عربية بدأت من تونس وانتشرت في سائر العالم العربي وبخاصة في الانظمة العسكرية التي عانت شعوبها من الاستبداد وتميزت تلك الحركات بأربعة امور: غلبة الشباب والاصرار على سلمية التحرك رغم التعرض للقمع والاجتماع على شعارات الحرية والعدالة والدولة المدنية، وضخامة هذه التحركات، ومنذ الاسابيع الاولى لقيت تلك التحركات قبولا من تيار المستقبل كما من قبل الشعوب العربية وذلك بسبب ما عاشت هذه الشعوب من حرمان من حقها بالحرية، واخمدت الامل بالمستقبل لدى فئات واسعة من الناس وفرض عليها الاستبداد، وممارسة شتى انواع التخاذل والصفقات ".

وقال:"زاد في عمق احساس جمهور المستقبل بأهمية التغيير الذي يقوده الشباب العربي انه كان بادر مع معظم الشعب اللبناني الى اجتراح ربيع لبناني حمل شعارات العدالة والحرية وتعرض للاستشهاد والعنف والاغتيال السياسي والذي وصلت وقائعه الى 220 اغتيالا منذ العام 1943، فلم يثنهم ذلك عن النضال بالعمل كما فعل نظرائهم في ساحات التغيير، وقع التغيير الذي دفعت اليها حركات الشعوب، وقد هز المجتمعات والدول هزا عنيفا تناول المسائل العميقة في مسائل المجتمعات الى المفاهيم الاخلاقية وعلاقة الدين بالدولة والحريات الفردية، انه نفوذ في انسانية الانسان وتطور بسرعة الى عملية ذاخرة طويلة الامد، ومن الطبيعي ان تختلف المواقف من العمليات التغييرية الجارية من جانب دول الجوار ومن جانب اصحاب القرار في المجتمع الدولي، فانه كما اثار هذا التغيير استحسانا وتضامنا من قبل كثرة من الناس وبخاصة بين العرب، فانه اثار قلق بعض الجماعات الدينية والاجتماعية استنادا الى تجارب المرحلة السابقة والامال المحبطة، ولأن التغيير وقع بالفعل ولاننا جمهور تيار المستقبل جزء منه رأينا ضرورة التعبير عن المشاركة والتضامن من طريق وثيقة، توجه فكرنا وعملنا في هذه المرحلة".

ولفت الى انهم يعتبرون "التغيير العربي مرحلة نضوج ومسارا جديدا وفرصة وتحد في الوقت عينه، فرصة يضع الوطن العربي على مشارف مستقبل جديد مفعم بطموحات شعبنا لاقامة الحريات العامة وبخاصة الحريات الدينية وصون العدالة والاصلاح في ادارة الشأن العام، وهو تحد من حيث قدرتنا نحن اللبنانيين على المراجعة والنقد وعلى الخروج بالتفكير والعمل المستنير من آثار المرحلة السابقة التي سيطر فيها الاستبداد وقسمت الاجتماعات واثارت الخصومة بين الدين والدولة وبين المجتمعات وسلطاتها".

ورأى "ان الهدف من النقد والمراجعة هو التمكن من صون كرامة انساننا والدخول في مسار عمل مشترك وشامل على المستوى الوطني مع سائر فئات لبنان ومكوناته لتمتين العيش المشترك والانطلاق منه على اساس للنهوض بالشأن العام"، وقال:"إن التغيير الذي اطلقه شبان العرب عملية ديمقراطية بعيدة المدى، انها ايضا ثقافة ومساواة تامة بين المواطنين وصون للحريات العامة واحترام التنوع وحق الاختلاف والحؤول دون تفرد الاكثريات من اي نوع".

وتابع:" اولا- في المسألة الوطنية: "لا يشكو لبنان من الافتقار للدولة المدنية التعددية ولا يشكو من قصور في الولاء الوطني لابنائه، ومع ذلك يبدو وطننا امام عقبات وتحديات بالنظر الى الاختلالات التي تعرض لها البلاد عبر 7 عقود ناجمة عن خمسة عوامل:
1- ظهور الكيان الاسرائيلي والسيطرة على كامل فلسطين.
2- ميل هذه الطائفة او تلك من طوائفه الكبرى الى الغلبة بالقرار.
3- اتخاذ لبنان ساحة للصراع في ازمة التوتر من جانب اطراف عربية واقليمية ودولية.
4- الوصاية والهيمنة الامنية السورية على لبنان خلال اكثر من 30 عاما.
5- العجز عن صياغة وتطوير مشروع سياسي وطني يحمي الدولة".
ورأى "ان الربيع العربي في فعاليته التغييرية الكبيرة على المستوى العربي يشكل فرصة للبنان باتجاه الخروج من الرهانات والارتهانات ويبدو في ثلاثة امور:
1- التغييرات الاستراتيجية والتعاون بين دول الجامعة العربية بحيث لا يعود هناك مجال لسياسات المحاور.
2- التحول نحو الديمقراطية الجاري في سوريا بحيث تستقيم العلاقة بين البلدين على اساس الندية والتشاور وعلى ذلك اشار المجلس الوطني السوري وقد تحدث فيها عن تصحيح جذري في العلاقات بين البلدين ولجهة ترسيم الحدود والتعاون.
3- الوصول الى ادراك اللبنانيين بمن فيهم اهل الاستقواء بالسلاح لمصلحتهم الوطنية بالتوجه بالارادة الجامعة الى الطائف والدستور، بيد ان التغيير الناجم ليس كافيا لتمكين الوطنية اللبنانية بعدما لقيته من احباطات بل هناك مسؤوليات على كل الجهات اللبنانية للدخول في التغيير.
اضاف:"لذا فإن الوعي الوطني المدني التغييري لكل شباب لبنان مهما كان انتماؤهم والقائم على المواطنة المبنية على المساواة في الحقوق والواجبات باعطاء العيش المشترك روحا جديدة واعطاء الدستور القائم على المواطنة دفعا جديدا ".
ودعا "الى وطنية قائمة على مفهوم الدولة الديمقراطية، مؤكدا ضرورة "المشاركة مع جميع اللبنانيين للتخلص من سلبيات النظام".
ثانيا:"في المسألة الاسلامية-الاسلامية: يطرح الربيع العربي توترا بين الشيعة والسنة، هذا الربيع الطالع يدفع الى ايجاد صيغ تقوم على المشاركة الكاملة بادارة الشأن العام، انها خلافات يجب ان تبقى في نطاق خصوصية كل مذهب، ويجب ان تحترم، ولا يجوز استغلالها استغلالا سياسيا، فالتغيير العربي لا بد ان يتضمن مبادئ الحق بالاختلاف وحرية المعتقد وتقدير التنوع وهي قيم تحترم خصوصية التعددية ولا تخرج عن العلاقات الناظمة للحياة الاجتماعية والسياسية.

اضاف:"لقد انهى الربيع العربي مشروعية كل انظمة الاستبداد ورسخ بشكل قطعي مبدأ الشرعية الديمقراطية في كل الشؤون وهي مبادئ تحول دون استقواء طرف على آخر وتقطع حجة السلاح خارج الدولة مهما كانت مسمياته، وتفرض اعتماد الدستور كتسوية لمعالجة اي خلاف وتحول دون اللجوء الى السلاح واجتياحات المدن كما حصل عام 2008، بهذا يمكن امتصاص تداعيات المسألة السنية الشيعية بما يؤكد مسؤولية التنوع الديني".
وشدد على انه "لا ينبغي ان يشهد لبنان صراعا سنيا شيعيا، ويجب ان يبقى انموذجا للوحدة الاسلامية والوطنية، مطالبا المؤثرين في الطائفتين بأن يظلوا قادرين على منع تحول الاختلافات الى خلافات، وقال:" لا بد من حلقات تواصل دائمة بين الطرفين لتعميم الثقة بينهما وتفكيك الازمات المزمنة وتجنب الخلط الدين بالسياسة".
وتابع:" ثالثا: في المسألة الاسلامية-المسيحية: صنع المسيحيون والاسلاميون ثقافتهم وعيشهم معا وصاغوا هويتهم الوطنية وناضلوا لتحرير اوطانهم من الاحتلالات الاجنبية، وما دمنا بصدد تقييم اثار الحراك على لبنان والمنطقة يكون من الضروري ان نذكر ان المسيحيين العرب كانوا في طليعة المساهمين في بلورة الانتماء العربي والمحافظة على لغة الامة، وكان مثقفوهم وسياسيوهم روادا في ظهور النهضة العربية وفي قيام الدولة الوطنية في المشرق العربي، وبدا في مناسبات عربية، خلال النزاعات على ارض لبنان، كأنما الخلاف اسلامي مسيحي وان الهوة لا يمكن ردمها بين الطرفين، في حين انها ترجع الى عوامل خارجية غير دينية الطابع، بيد ان وثيقة الطائف اكدت العيش المشترك والمصير الواحد بحيث انتهى النزاع وانتهت اشباحه مما دفع قداسة البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني الى القول "ان لبنان اكثر من وطن انه رسالة"، وصدم كثيرون منا بعد انطلاق حركة التغيير ووصولها الى سوريا من كلام بعض القيادات عن خوفهم من حركات التغيير وكانوا يعودون لما حصل في العراق وما تعرضت له كنائس في مصر من تخريب وتقدم الحركات الاسلامية المشتددة او لهجرة يُخشى ان تتفاقم بظل تغيير الانظمة، هذه المواقف قد يكون لها ما يبررها وهي تستدعي النظر والتفهم، بيد ان هذا الامر يترتب عليه نتائج سياسية قاطعة وامر آخر تماما، فالمسلمون في سوادهم الاعظم ما اظهروا تطرفا ولا مارسوا عنفا على المسيحيين وقد وقع التغيير، فمن الضرر بمكان الرهان على انظمة استبدادية عانى منها المسيحيون كما المسلمون الامرين، ثم ان التحالفات التي تبنى على مفهوم الاقليات لا مستقبل لها والمسيحيون ليسوا اقليات بل شركاء في المصير بعيدا عن منطق الحماية الذي انتهجته بعض الانظمة".
ورأى "أن الربيع العربي فرصة لكل المكونات الاصيلة في هذا الشرق، وقال: "فقد كان الاستبداد يزعزع اسس العيش المشترك دون تمييز بين مسيحيين ومسلمين، اما الاصولية فهي موجودة وتحتاج الى العيش معا في اطار الدولة المدنية، قامت العقود الماضية ثنائية بين الاستبداد والتطرف واذا تراجع التطرف بسقوط الاستبداد، فليس معنى ذلك ان كل المشكلات انتهت، بل الرهان على النضال المشترك بين المواطنين الاحرار الذي سيدفع الجميع الى المشاركة في بناء المجتمع السياسي الجديد، والوقوف تحت مظلة الدولة المدنية، واذا كان الاعتماد الاول في ذلك على الحراك المدني لتثبيت نظام المناصفة بغض النظر عن الاعداد، فالعامل الثاني هو الانفتاح الذي يقوده شيخ الازهر والذي ظهر في ثلاث وثائق اصدرها، ويستند الازهر في نهضته على منظمة الحقوق والمصالح لدى الفقهاء المسلمين وان الاسلام لا يقول بالدولة الدينية".

ولفت الى ان اهمية صدور هذه الوثائق تكمن في مواجهة التطرف والغلو والخلط بين الدين والسياسة، وعلينا نحن اللبنانيين الذين تجاوزنا الدولة الدينية، ونرجو ونعمل على ان يكتمل تجاوزنا للدولة الطائفية واجب ورسالة، الواجب صون دولة العيش المشترك، والرسالة هي العمل مع المحيط العربي لتعزيز العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين في دول الحريات الدينية والمدنية وفي زمن التغيير بالذات لانه زمن المستقبل".

ولفت الى "ان الثورات في العالم العربي لا تريد أحزابا عقائدية حاكمة، فمنطق حركات التغيير في الممارسة يشير إلى أن لا مشكلة في الإنتماء وإنما في صون الحرية والحقوق".

وقال:"إن العروبة الجديدة أصبحت مرتبطة بالديمقراطية، وهذا ما يفسر إسراع وسائل إعلام النظام السوري باتهام المتظاهرين المطالبين بالحريّة بأنهم متآمرين على الدولة الممانعة، كما خروج النظام السوري من العروبة".

ورأى ان "زمن الربيع العربي حول الصراع مع العدو الإسرائيلي من صراع مع أنظمة الإستبداد إلى صراع مع الشعوب وسيكون زمن الربيع زمن انتصار فلسطين والإنتصار على الإستعمار".

وقال:" لقد تزعزعت أركان الممانعة ولكنها لم تزول وهذه الزعزعة بدأت ببيان المطارنة الموارنة عام 2000 ومن بعدها بـ"ثورة الأرز" إلا أنه رغم خروج الجيش السوري من لبنان ظل الإتهام بخيانة العروبة ولا مجال للتخلص من هذه الإتهامات إلا بزوال الأنظمة القمعية المستبدة".  

السابق
الحريري: نرفض الإستقواء بنبض الأكثرية لفرض أبوة على الحياة السياسية
التالي
رئيس الأمن الإسرائيلي: مصلحتنا في نهاية نظام الأسد