الخوف من السلفيّة

بدا المبشرّون بـ"الخطر الإسلامي"، يوم الأحد الماضي، كمن أصيب بخيبة أمل. كأن تظاهرة إسلاميي الشيخ أحمد الأسير لم تأت على قدر التمني. فقد ظهر الشيخ السلفي بمظهر "الإسلام المعتدل"، وهذا ما لم يحسبوا له الحساب.
وُضع الشيخ الأسير في مكانةٍ تبرّر الخوف من الآتي. أو، بالأحرى، هي مكانة تجعل الخطر كافياً للتمسّك بما هو قائم، أي النظام السوري. وهو خوف رافقته في كثير من الأحيان استعارات عنصرية، واعية أو غير واعية.

ها هم الإسلاميون قادمون.
لكن "هجومهم" نهار الأحد لم يلب الـ"طموح".
وبعض أصحاب هذا القول كانوا كأنهم يستدرجون الأسوأ. يستدعونه، بينما يعلنون الخوف منه. لكن الأسوأ لم يحدث. يا للخيبة. لم تبلغ الصورة المدى الذي كنّا نرجوه لها. لم تبد مرعبة كفاية. وصورة "لطيفة" كهذه، لا تناسب خوفنا المتعاظم من سقوط الصور السائدة.

كأن في سلميّة التحرّك الإسلامي ما أثار حفيظة المتابعين وغيظهم، لا سيما أولئك الداعمين لنظامٍ يتلطى بـ"عباءة" العلمانية. وبدلاً من الارتياح لهواء تنشّقه السلفيون، بحيث لا يصير المنع سبباً لتعزيز قوتهم، كما هي الحال في مصر وتونس مثلاً، جهد مناهضوهم لصنع الصورة التي تنسجم مع الخوف والتبشير به.
هكذا، صار "إنشاد" فضل شاكر مشكلة تستدعي الاستنفار سعياً لمسخرة اللحظة: تضاف لوجهه لحية طويلة، بلا شارب، وتستبدل كلمات الحب في أغنياته بمصطلحات غاضبة تخدم الصورة أكثر مما يؤمّنه الواقع. وتصير القلوب سيوفاً، والفرح انفجاراً.. أما اسمه فينال من الألقاب ما لم ينله "أمير" من قبل.
وبالطريقة ذاتها، أيضاً، يتحوّل خطاب الأسير، الذي وُصف "إسلامياً" بالمعتدل، إلى خيبة لن يجدوا لمواجهتها سوى السخرية. سخرية سوداء، تستعين بما لم يقله "الشيخ السلفي" لتؤكّده، وعلى خوفها منه.
فحين دعا الأسير مثلاً إلى ثبات المسيحيين في أرضهم وعدم الهجرة، راجت "نكتة" تقول إن دعوته هذه هي حيلة ليصير القضاء عليهم "محرزا".
وحين حضرت فلسطين، سخروا من السعي لتحريرها من "الداون تاون".
وحين غابت الفتنة السنية الشيعية من خطابه بحث الخائفون منها، عنها، بين السطور، بحنق.

سخر هؤلاء من كل خطر لم يرد في خطابه، وتجاهلوا مناسبة الدعوة للتظاهر: دعم الشعب السوري في مواجهة نظام القمع. مسخرة الدعاة، تهدف إلى مسخرة العنوان، وهو عنوان لا تسقط أحقيّته إن دعا إليه أصوليّ، إذ كان يمكن أن ينصب ذلك الهجاء كله في سياق التحذير من خطر المدّ الإسلامي المتطرف، والخشية على الحريات العامة، والوجهة الاجتماعية لمنطقة تتخبط في تخلّف مفاهيمها.
إلا أن ردود الفعل، والأشكال التي اتخذتها، أظهرت أن "اللحظة" هي التي حكمت انفعالات المتابعين، لا المستقبل. فـ"سلفية" سلمية، تدعو لإسقاط النظام في سوريا، تناقض الصورة المشتهاة للخطر. والخطر قائم، فعلاً، لكن تماماً كما هي أخطار التطرف القائمة بكافة أشكالها، الدينية والسياسية، والتي يتجاهلها هؤلاء كلما تعلّق الأمر بالنظام السوري.

تظاهرة "سلفيي الداون تاون"، كما شاء الخائفون تسميتها، كشفت، في عديدها وشكلها، أن الخطر ليس حتمياً، وإن كان حاضراً. وكشفت أيضاً أن مواجهته وعلاج أسبابه، ليسا هاجس الخائفين منه، بل مصدر سخرية لمناهضي موقفه السياسي – السوري. وأبرز ما كشفته هو أن جزءاً أساسياً من رافعي الصوت ضد السلفية، لا يأبهون لمخاطرها الحقيقية، بل لاستمرارية نظام يشرّع بلده للمخاطر، مدّعياً في ذلك "علمانيةً". وربما، لو صبّت التظاهرة في صالح النظام، لما شكّلت بالنسبة إليهم خطراً.
يوم الأحد الماضي، بدا أن المسألة لا تكمن في الخوف بحدّ ذاته، بل بحاجتنا إليه.. لا سيما ذاك الخوف الذي يحمينا من مشقة اتخاذ موقف ضد القتل، وضد التطرّف الأصولي في آن.

السابق
المرعبي: عكار معزولة نظرا لواقع الكهرباء والتغذية بالتيار تبلغ ساعتين كحد أقصى في اليوم
التالي
مؤسسة العرفان: نعلن وقوفنا مع الشعب السوري في هذا الظرف الدقيق