انتخابان وخطأ حسابيّ

انتخابان حصلا في وقت واحد وفي بلدين لا يشبه واحدهما الآخر كثيراً: انتخاب رئاسيّ في روسيا الفيديراليّة وآخر برلمانيّ في إيران الإسلاميّة.

ومع الاختلافات الكبرى في أمور عدّة، يبقى أنّ ثمّة شبهاً لا تخطئه العين بين التجربتين الراهنتين هاتين.

فقد جرى الحدثان وسط طعن معلن بهما، بل بالمبادئ والشروط التي حفّت بهما، الشيء الذي يذكّر، على نطاق أصغر طبعاً، بإجراء الاستفتاء السوريّ في أجواء من العنف والقتل غير المسبوقين.

فالتشكيك بالسلطة في روسيا وفي جواز ادّعائها الديموقراطيّ والشرعيّ كان قد بدأ على شكل تظاهرات شعبيّة سبقت الانتخابات. ومع حصول الأخيرة، أبدى المعارضون رفضاً جذريّاً لنتائجها وللقول بنزاهتها. هكذا ارتفع صوت النقد ليغدو هجاءً لـ «انتخابات مزوّرة» تجريها «عصابات من لصوص ومافيات». وكلام كهذا لم يقتصر ترداده على الديموقراطيّين والليبراليّين ونشطاء المجتمع المدنيّ على أنواعهم، بل قاله المرشّح الشيوعيّ زيوغانوف الذي كان المنافس الأوّل والأبرز لبوتين.

أمّا الطعن الإيرانيّ فاتّخذ شكلاً آخر هو احتجاب الحركة الإصلاحيّة عن المشاركة في الانتخاب. ومعروفٌ أنّ الرمزين الأبرزين للحركة المذكورة، الموسوي وكرّوبي، لا يزالان رهن الإقامة الجبريّة التي لا يُعرف الكثير عنها. وهذا من غير أن ننسى الطريق الذي سلكته إيران إلى انتخاباتها الحاليّة، وهو الذي عبّده تزوير الانتخابات السابقة وانفجار «الانتفاضة الخضراء» تالياً.

لكنّ القاسم المشترك الآخر بين التجربتين حصولهما في ظلّ تقلّص رقعة السياسة في البلدين، ومن ثمّ انحصار اللعبة في قبضة سلطويّة متزايدة الضيق. وإذ يتجلّى الشكل الروسيّ لهذين التقلّص والانحصار في المداورة التي أجريت بين الرئيسين بوتين ومدفيديف، فإنّ شكلها الإيرانيّ هو اقتصار المنافسة على تيّاري المرشد الأعلى خامنئي ورئيس الجمهوريّة أحمدي نجاد. وهذا ما يسمح بالقول إنّ قنوات التصفية الشهيرة للمرشّحين في إيران، والتي تجعل الانتخابات من أساسها عميلة شكليّة محضة، لم تعد كافية لبقاء الأمور على حالها.

يترتّب على هذا وذاك أنّ السياسة في موسكو وطهران ليست أداة لتصريف العنف في المجتمع، بل هي اليوم أقرب إلى أن تكون وسيلة لمفاقمة العنف، كما أنّها ليست طريقاً إلى توسيع المشاركة بل طريق إلى تضييقها. يحصل هذا في بلدين يضعهما نظاماهما في مواجهة تحدّيات إقليميّة ودوليّة حادّة، ولو كانت متفاوتة، الأمر الذي لا يشجّع على التفاؤل في شأن النظامين هذين وفي شأن الانتصارات التي يمنّيان النفس بها في «معارك المصير الكبرى».

لقد قطعت روسيا شوطاً في اتّجاه الديموقراطيّة ثمّ بدأت تمارس النكوص عنه في اتّجاه سوفياتيّ. أمّا إيران فمن الأصل اكتفت من الديموقراطيّة بشكليّة إجراء الانتخابات المصفّاة سلفاً، وهي كانت في ذلك أشدّ انسجاماً مع نفسها مع روسيا إذ رفعت «ولاية الفقيه» حدّاً على «إرادة الشعب».

لكنْ، كائناً ما كان الأمر، يبدو أنّ هذين النموذجين يقطعان اليوم شوطاً معتبَراً في التآكل الذاتيّ، خصوصاً حين يتمّ النظر إليهما من زاوية الانتفاضات التي شقّت طريقها في بعض البلدان العربيّة ورفعت لواء الحرّيّة عالياً. فإذا صحّ هذا التقدير كان التعويل السوريّ على الدعم الذي تمحضه موسكو وطهران لنظام الأسد خطأ حسابيّاً آخر قد لا تحتمل دمشق تبعاته وآثاره.

السابق
الحياة: تغييب النصاب يطيح جلسة تشريع الإنفاق وموعد جديد في 15 الجاري لتأمين تسوية
التالي
اعتصام لتكريس عيد المرأة