اليوم الساحة… غداً الإمارة

بالامس في حلقات المساجد، اليوم في الساحات، غدا في المدارس والجامعات، وبعد غد "امارات" اسلامية في الاحياء و"امراء" ومحاكم.
بيروت تعرفت بالامس عن كثب على السلفية، وعليها من اليوم فصاعدا ان تعتاد مشهد العمائم واللحى الطليقة والاستماع الى خطاب جديد ولو كان يعود بنا قرونا طويلة الى الوراء.
من حق كل انسان ان يعتقد كما يشاء وان يفكر ما يشاء وان يسعى الى تطبيق مايراه مناسبا. ولكن ليس من حقه ان يرفض الآخر والتنوع والاختلاف فكرا وسلوكا ومعتقدا. وليس من حق احد ايضا ان يسعى الى بعث نموذج من الشباب همه الاول الطاعة والتسليم، فهذه عبودية جديدة حتى لو نشرت باسم الدين. استعادة هذا النهج القديم المجدد والمستجد ومحاولة فرضه على الآخرين تصيران عبودية عندما يغلب منهج التلقين على منهج التمكين، والتكفير على الانفتاح، والانقياد على الاختيار، والتسليم على العقل والتفكير، والاستقالة امام من يدعون النطق باسم الله او نيابة عنه.

لا مشكلة مع السلفية اذا اقتصرت على حلقات النقاش الضيقة. لكنها تتحول مشكلة عندما تتدخل في حياة الآخرين وعاداتهم اليومية ونمط معيشتهم وملبسهم ومأكلهم. عندما تصير مهمتها الاولى صناعة الاعداء لانها غير قادرة على التأقلم والتعايش مع الحداثة والمساهمة في نحت المستقبل، فترتد الى ثقافة الكره وتشتيت الوحدة وتكفير الآخر. ولائحة "الكفار" و"الزنادقة" و"المرتدين" تطول: اولا العلمانيون والحداثيون، ومن ثم اتباع الديانات الاخرى الجاهزة اوصافهم ونعوتهم، وبعدهم اتباع الطوائف الاسلامية الاخرى من شيعة ودروز وعلويين الجاهزة ايضا لوائح الاتهام في حقهم، وصولا الى ابناء الطائفة السنية نفسها الذين لا يسيرون على هدى السلف الصالح كما يرونه هم وحدهم.
هؤلاء اليوم يعيشون ربيعهم المكفهر، يحسنون الافادة من المتغيرات الحاصلة ليطلوا برؤوسهم ولا سيما في ظل النفخ الدائم الحاصل اليوم في بوق الفتنة السنية – الشيعية التي أنعشت في السنوات الأخيرة الأصوليات على اختلافها، وفي مقدمها المجموعات التي تتناغم مع النهج الجهادي القاعدي.

لكن القوى السياسية اللبنانية تخطىء عندما تعتقد انها تستطيع الافادة من هؤلاء في صراعاتها مع خصومها السياسيين المحليين والاقليميين، وتخطىء اكثر عندما تلجأ اليهم كورقة مستورة في لعبة الصراعات الداخلية على قاعدة تعاملوا معنا نحن المعتدلين واصحاب الياقات او عليكم التعامل مع اصحاب اللحى والعمائم الذين يحمل الكثير منهم بندقية ويعتبر الانتحار الرخيص "استشهادا في سبيل الله".
دون التطرف والمتطرفين في لبنان الى اية سلفية انتموا طبقة عازلة باتت رقيقة وهشة وبمجرد انشعارها مرة واحدة، لن يكون سهلا اعادة الكواسر الى جحرها.

السابق
الراي: لبنان في قلب الإعصار السوري وارتداداته من خلال النزوح البشري و النزوح السياسي لجنبلاط
التالي
نتنياهو: إسرائيل سيدة مصيرها بمواجهة ايران.. واوباما يؤكد على الحلّ السلمي