ماذا يعني لحزب الله احتشاد السلفيين؟

عندما كسر «حزب الله» الخطوط الحمر في السابع من أيار في بيروت، كانت حركة الشيخ احمد الاسير قد ولدت فعلا، معلنة نشوء تيّار اسلامي
وقد نجح هذا التيار في مخاطبة الطائفة التي افتقدت الى الحماية، والتي يتطلع اليوم جزء منها الى من يُعيد التوازن المفقود، بين أصولية شيعية مسلحة وقادرة على العمل وأصولية سنية لا تجد سعد الحريري إماما بالجلباب الابيض قادراً على التكلّم بلغة يفهمها العائدون الى الاصول الاولى للصراع.

واذا كان الشيخ الأسير قد حرص في كلمته المعتدلة على توجيه المعركة ضد النظام السوري حصراً، من دون ان يتطرّق الى الواقع الداخلي، فانه أيضا قد افتتح، قصدَ أم لم يقصد، السباق على وراثة نظم الاستبداد الساقطة حتماً، وهو سباق سيجري ضمن البيت الطائفي الواحد.

ومن خلال ما جاء في كلمة الأسير، أمكن استقراء الخلاصات الاولية الآتية:

1 – تجاهل الأسير كليّاً حلفاء النظام السوري في لبنان وعلى رأسهم "حزب الله"، وصَوّب حصرا على النظام، وحاول ان يرفع من منسوب الصراع أعلى من مستوى اشتباك داخلي، وهذا بدا من خلال رفع الشعار الموحّد لتحرير القدس ونصرة الشعب السوري، في إشارة الى ولادة مشروع اسلامي سني ينهج نهج المشروع الاسلامي الشيعي الذي أطلقته الجمهورية الاسلامية في ايران، والذي بني بجزء أساسي منه على احتكار مفهوم المقاومة وإزالة اسرائيل، وكأنه يقول لـ"حزب الله": المواجهة معكم تبدأ في إسقاط النظام السوري، ومن التصويب باتجاه نزع حصرية إمساككم بورقة المقاومة التي حاربتمونا بها طوال ثلاثين سنة.

2 – استنسخ الأسير في الخطاب التطميني الذي وجّهه الى المسيحيين، الخطاب ذاته الذي كان يقوله "حزب الله" في المراحل الاولى لتأسيسه، فبَدا كأنه شأن الحزب يطمح الى نزع صورة "البعبع" عن الوجه، الى التأسيس لموقع يستطيع من خلاله مخاطبة المكوّنات الخائفة من نشوء الظاهرة الجديدة.

3 – استثمر الأسير الفراغ الذي خلّفه تيار "المستقبل" منذ السابع من ايار مرورا باتفاق الدوحة وزيارة الحريري لدمشق، وصولا الى اسقاط الحكومة الحريرية بقوّة القمصان السود، وعرف كيف يُطلق رسائل "قوة" تدغدغ الحالمين في الطائفة السنية بظهور "أمير" ساحر قادر على استعادة التوازن المفقود وإحياء الشعور بهَيبة القوة. على ان ابرز ما يمكن استخلاصه من عِبَر من مشهد وسط بيروت، سيكون في رصد الحضور السلفي المتنامي الذي عبّر عن نفسه بهذا الاحتشاد الذي لو لم تبذل جهود مضنية لاحتوائه، لكان بدا أكبر بكثير ممّا كان عليه بالأمس.

واذا كانت التقديرات الامنية قد أفضَت الى تقدير العدد الذي تظاهر بالأمس بحوالى 2000 من اتباع الأسير، فإنّ هذا العدد يعني الكثير من الاطراف، وأوّلهم "حزب الله"، نذيرا يفترض دراسته بتأن.

وصحيح ان الحزب امتنع عن المشاركة في التظاهرة المضادة من دون ان يتلكأ عن إمدادها ببعض عشرات من أنصاره احضروا على عجل لتلافي إعطاء صورة عن هزالتها، الّا انه توقف كثيرا امام ما يعنيه انتقال ألفي سلفي من صيدا الى بيروت وعودتهم اليها، بالاضافة الى ما يعنيه استعدادهم لتشكيل حالة دائمة في المدينة جاهزة لأن تتحوّل الى قوة لا يمكن ضبطها، خصوصا اذا ما اتحدت ببعض القوى الموجودة في مخيم عين الحلوة، والتي عَجز الحزب عن احتوائها.

سيكون هذا المشهد مدعاة للتأمل وإعادة تقييم كل ما ارتكب في السابع من أيار وما بعده.   

السابق
مرجع رئاسيّ
التالي
شبّيح وحرّ ولا ثالث لهما