شبّيح وحرّ ولا ثالث لهما

«شبّيح» بلا نظارات شمسيّة. «شبّيح» عيونه عسليّة. «شبّيح» لا يكزّ على أسنانه، «شبّيح» يعلك «دانتين». «شبيح» لا يجعر بك «انقبر ولاه»، «شبيح» يعزمك على الرقصة. «شبيح» يرقص. «شبيح» يدبك. «شبيح» يغازل صبية. «شبيح» و«شبيحة» تعارفا فأحبّ أحدهما الآخر والسيد الرئيس، تزوجا وأنجبا «شبيحاً» صغيراً. «شبيح» يقول «آغغغغغا». «شبيح» يركض بكنزة خضراء. «شبيح» يقفز بكنزة صفراء. «شبيح» أشقر. «شبيح» أسمر. «شبيح» أبرص. «شبيحة» شعرها «ليسْ». «شبيحة» شعرها «كِرلي». «شبيح» يحمل علم روسيا. «شبيحة» مع إيران. «شبيح» يحمل علم فلسطين. «شبيحة» مع فنزويلا. «يِيه»: «شبيح» صيني، «شبيحة» فرنسية، «شبيح» روسي. «شبيحة» تسمع جورج وسوف، «شبيح» يحب أصالة، «شبيح» من جماعة علي الديك. «شبيح» سنه فضي، «شبيحة» أسنانها بيضاء بيضاء، «شبيح» نصف أسنانه ذهبية.

«شبيح» يأكل شاورما. «شبيحة» تأكل فلافل. «الشبيحة» يعشقون إذاً، يسمعون أغاني ويأكلون. «شبيح» أتى بالسرفيس. «شبيح» قدم من المنية. عائلة «شبيحة» قررت تمضية يوم الأحد في «التشبيح» بدل اللهو في ثلج عاليه. «شبيحة» بردانة. «شبيح» يلبس نص كم في عز الشتاء. «عجباً»: «شبيح» يحسّ. «شبيح» يتنفس. «شبيح» لم يقلّه فان غصباً عنه إلى «قطيع الشبيحة». «شبّح شبّح شبيحة … لعيونك يا سوريا». أبدع ما أنتجته الأحداث السورية: «شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد». بلغ النظام في إحباطه «الحرب النفسية» التي تشن عليه حدّ إفراغ تهمة التشبيح نفسها من مضمونها، وتحويلها من إهانة إلى اعتزاز. «سجل أنا شبيح» يقولها الأول، الثاني والثالث حتى يكتمل نصاب البعثيين المجتمعين في الساحة المناوئة لساحة السلفيين. لم يعد يعرف إن كان البعث مبرر وجود السلفيين أو السلفيون مبرر وجود البعث.

هنا جسر فؤاد شهاب. هنا الناس ملونون بالصور والأعلام والتعليقات المستهزئة بالملك السعودي والأمير القطري: أهمها تقول «اللهم عقّم أرحام نسائهم ويبّس أصلاب رجالهم». هنا تتداخل أيادي الشابات بركب الشباب، يعلو خصر لتنخفض قدم وتطول الدبكة ساعة، ساعتين، ثلاثاً. بين الـ«تي رشرش» والـ«تي رشرش»، واحدة لعيني حكيم العيون. هنا التظاهر رقص وضحك. لم ينقص حزب البعث إلا حضور الأمين العام للأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد مسيرته رافعاً لافتته الحمراء القائلة «I love life». أساساً تشبه ضحكة الأمين القطري لحزب البعث فايز شكر ضحكة سعيد. حضر شكر هنا، غاب مصطفى علوش هناك.

بين هنا وهناك، يقف «وطن» وعشرات عناصر الأمن والمحافظ ووزير الداخلية. لسان مروان شربل لسان شعبه: «سألوني أي اعتصام أحلى فوق أو تحت. أقول لهم فوق أحلى من تحت، وتحت أحلى من فوق». ليست أول مرة يقول معاليه شيئاً مماثلاً، ولن تكون الأخيرة.
هنا الساحة الأخرى، هنا تمثال الشهداء. لا بدّ أن يكون فارس سعيد بصفته أمين سر أولى الثورات العربية هنا. هنا «حُرّ» يفصل النساء عن الرجال: «لكم ساحتكم ولكنّ ساحتكنّ». تقوم إحدى ساحاتهم، بين ساحتهنّ ومنبر الأسير فلا يرين منه غير إصبعه المتحرك صعوداً وصعوداً. «حرّ» رصّ أكتاف الأنصار صفوفاً صفوفاً. «حرّ» يهتف فيهتفون. «حرّ» يصمت فيصمتون. «حرّ ضد القتل» مع «الجيش السوري الحر». «حرّ» مع عناصر انضباط. «حرّ» يهتف «عالجنة رايحين … شهداء بالملايين». «حرّ» مع الله ضد حزب الله. «حر» آخر يهتف: «لبيك يا الله». ويتوعّد: «خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود». «حر» ثالث يهتف: «ما لنا غيرك يا الله». وحين يصبح فضل شاكر «حراً»، لا يجد إلا أناشيد «القاعدة» ليغنيها هنا.
«عبثاً تبحث، فارس سعيد ليس هنا» تقول صديقة. هنا النظارات الشمسية سوداء رغم انحجاب الشمس خلف الغيوم. عبثاً يبحث المصورون بين الجمهور عن لقطة مثيرة أو لافتة مميزة أو «كاراكوز» يضحك. كل الرايات راية سوداء واحدة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». كل الهتافات هتاف واحد: «تكبير (…) ». كل الثياب سود. جنبلاط ـــــ لا سعيد ـــــ مثالهم الأعلى، فلا يكفون عن كزِّ أسنانهم إلا للهتاف: «بدنا الثار بدنا الثار، من ماهر ومن بشار».
يكذب القائلون إن ثمة ساحة ثالثة، الأحداث السورية تجاوزت كل الساحات الأخرى: إما ساحة فايز شكر أو ساحة أحمد الأسير. ليس في سوريا اليوم ساحة ثالثة ولو «كره الكافرون».  

السابق
ماذا يعني لحزب الله احتشاد السلفيين؟
التالي
ضاهر: اعتماد النسبية يغيّر الأمور