رسالة إلى جيلبرت زوين

عزيزتي جيلبرت زوين،
من بين كافة أعضاء اللجنة التي تدرس قانون العنف الأسري، اخترت أن اكتب لك أنت بالتحديد، لأنك امرأة، من المفترض أن تعرف طعم العنف الذي يمارس يومياً بحق أجسادنا، المرئي منه والمبهم.
لن أضيع الوقت بصياغة المقدمات، فواقع قضيتنا لا يحتمل تضييع الوقت – واقعٌ غضضت النظر عنه أنت وشركاؤك النواب في اللجنة التي تدرس قانون العنف الأسري. إن فترة دراسة هذا القانون طالت من مهلة أسبوعين إلى ستة أشهر، وهي لا تزال مرشحة لأن تطول، في حين أنه موضوع طارئ يتوقف عليه مصير أعداد كثيرة من النساء. وأنا أعي أني أكتب هذه الرسالة، بينما آلاف النساء يعنّفن في منازلهن لسبب واحد، هو غياب قانون ينصفهن أو دولة تحميهن.

فكيف لامرأة أن تساوم على حق امرأة أخرى بالتحرر من زوج يضربها؟ كيف تساومين على حياة امرأة أخرى عبر سماحك لهذه اللجنة بإلغاء بند يتيح تحريك الشكوى عن طريق إبلاغ الجيران عن العنف؟ كيف تتخيلين أن امرأة، بينما هي تعنف، ستكون قادرة على الوصول إلى هاتف للاستنجاد بالقوى الأمنية؟ ناهيك عن الخوف المستمر من عنف يلحق بها إن ارتأت التبليغ.. فإبلاغ جيرانها عن عنف يمارس ضدها يمكن أن يؤدي إلى إنقاذ حياة قبل فوات الأوان.
أنت نائبة، عزيزتي جيلبرت، وكامرأة أفترض أنها مستقلة، تعلمين كم أن العنف مدمر. كيف تساومين على حرية أجساد نساء أخريات عبر سماحك بإلغاء الفقرات التي يحمي فيها هذا القانون المرأة من الاغتصاب الزوجي؟ أتتخيلين كمية الذل والعنف والألم الناتجة عن العيش في المنزل ذاته والنوم في السرير ذاته مع مغتصبك؟!

أتعلمين كيف تسلخ المحاكم الشرعية الأولاد عن أمهاتهن وترميهن تحت رحمة أب عنيف؟
بعدما وصلتنا التسريبات والتشويهات التي تمارسها اللجنة «الكريمة»، التي أنت عضو فيها، أسألك: عندما تخلدين إلى النوم، هل تفكرين بفعل الخيانة الرهيب الذي تمارسينه ضد إنسانيتك وضد نساء هذا البلد؟ وكيف أنك، بسماحك لهذا التشويه بأن يصيب القانون، وعدم الدفاع بشراسة عن حقوقك كامرأة وحقوق النساء اللواتي انتخبنك، ستكونين اليد غير المرئية التي تمسك بيد المعنف وتربت عليها؟
عزيزتي جيلبرت، ماذا سيقول عنك التاريخ؟ إذا كان الضمير قد أصبح فعل ماضٍ منصرفا، ألا تخافين من المستقبل؟ ستكونين المرأة التي طعنت النساء وسمحت بإقرار قانون مشوه يؤذيهن بدلاً من أن يحميهن.. تأكلني الحشرية، يا عزيزتي جيلبرت، كي أعرف ما هو ثمن ذلك؟ كرسي نيابي سيحتقره التاريخ بدلا من أن يتوقف عنده بالتحية؟ هل تعتقدين أن أيّاً منا، نحن النساء ومعنا كافة المعنيين بالكرامة الإنسانية، سيعيد انتخابك بعدما أثبت أنك مشرّعة لم تعمل على تحسين هذا البلد أو وضع المرأة فيه، وإنما تبنت مساره الذكوري غير الإنساني ودافعت عنه؟

نحن اليوم نقف عند مفترق طرق، سيتقرر فيه مصير آلاف النساء والرجال، حاضراً ومستقبلاً… أنت مسؤولة تجاه النساء، مسؤولة عن حمايتهن، مسؤولة عن رميهن لبراثن أحكام تفرّق بيننا طائفياً، كما أنك مسؤولة عن إنصافهن، من خلال إبقاء مسألة تحديد العنف بيد المحاكم المدنية.
أكتب لك اليوم لأذكرك بالمسؤولية التي تحملينها بين يديك، لأذكرك بأن التاريخ لن يسكت، وأترك لك الخيار: هل تريدين أن تخرجي نساء هذا البلد من دوامات العنف الذي يتعرضن له، أم تكونين نقطة سوداء أخرى في تاريخ لبنان؟

أنت أمام خيارين، إما البطولة أو الخنوع.
وأنا لم أفقد الأمل بك.. بعد.

السابق
الأشهر الأخيرة للتدخين في الأماكن العامة؟
التالي
الحوت: لعدم التعاطي مع ملف الانفاق بمعيارين