حمص الأسيرة في بيروت

خيراً فعل المسؤولون اللبنانيون في الدولة وخارجها بطريقة تصرفهم حيال تجمعات ساحة الشهداء بالأمس. لقد خرج "السلفيون" بأمهم وأبيهم ومن أقصى الجنوب الى أقصى الشمال "للتعبير عن رأيهم" بحرية تجاه الأزمة في سورية ودعماً للجماعات المسلحة في حمص التي "أسروها" لفترة من الزمن قبل أن يحررها الجيش السوري خلال الأسبوع الماضي. 
لم يكن التجمع يستأهل التعليق عليه لولا طريقة الشحن المذهبي الرخيص الذي بذله الداعي اليه والمتحدث الرئيسي فيه، وما رددته هتافات مناصريه على قلّتهم والتي ركزت على الدعوة إلى "إعلان الجهاد". لقد استحث صاحب الدعوة شعوب الدول العربية على مناصرة الشعب السوري لأنه وبحسب تعبيره قد آن الأوان لذلك، لكن أحداً ليس باستطاعته تلبية الدعوة لا سيما أنها صادرة عن تحريض مذهبي بشع يعود الى العقول والعصور المتحجرة، ومن شأن الاستجابة لها إغراق مساحات واسعة من العالم العربي في بحور من الدماء. لكن هذا الأمر يبدو أنه لا يشغل بال "شيوخ السلفيين" الذين تجمعوا طالما أن هدفهم بالإعلان عن أنفسهم عبر الشاشات والإعلام قد تحقق، وتم نقل الصورة والصوت الى ممولي هذه الحملات وداعميها للتثبت من أن أموالهم تُصرف في الأماكن المخصصة لها.

دعمُ الشعب السوري، وشعاراتُ: "العرب الغربيون" و"الغربيون العرب" تحت مسمى "الإنسانية" لم يترافقا مع أية دعوة من قبلهم للمسلحين بكف أذاهم عن ذلك الشعب، وعن جيشه الذي دفع ثمناً غالياً لموقفه بالدفاع عن بلده في وجه الهيمنة الغربية – "الإسرائيلية" وبعض العرب الذين يدعون جهارة الى تسليح (الجيش السوري الحر) في موقف لافت لم يبقِ للصلح مطرحاً. لكن هؤلاء يعلمون أنهم دخلوا مع سورية مدخلا لا رجعة فيه الى الخلف قيد انملة وحيث لم يعد هناك مكان يمكن "للإبداعات الدبلوماسية" اللجوء اليه.
وفي هذا السياق، يدل الحسم الذي بدأته الحكومة السورية وربما أوشكت على انهائه على أن الدولة في سورية لم تقبل بأي طرح تسووي، وهي تقول بذلك أيضاً أن لا مكان للجلوس مع من أراد بنا سوءاً، وأن وقت الحساب آت لا محالة. إذ إن حرباً من نوع آخر قد تندلع بين سورية وبعض الدول العربية التي جاهرت بالعداء لها، وأعلنت أنها تريد تدمير هذا البلد وقتل شعبه وقتل رئيسه وكل من يشاركه الحكم بموجب القوانين المرعية.

تلك الدول هي التي حركت جماعات السلفيين في لبنان، ودفعت لهم الأموال وفرضت على بعض السياسيين من الذين يدعون أنهم «علمانيون» أن يستقبلوهم في بيوتهم ولو لم يشاركوهم مباشرة في تحركهم، لكنهم نفذوا ما التزموا به وما طلب منهم من الرعاة أنفسهم الذين يغدقون على كل من يساعدهم في التخلص من الرئيس السوري، إذ لم يكن اللقاء الذي أجراه وليد جنبلاط مع الداعي الآتي من مدينة صيدا في الجنوب للتجمع في ساحة الشهداء الا رسالة الى من يعنيهم الأمر في المملكة العربية السعودية وقطر، مفادها أن زعيم "السنة" الدرزي في المختارة، إنما يؤكد على تحالفه واعتباره ركناً في المعركة ضد الأسد، وهو كان مهد لتجمع أمس بوقفة حملت الشعارات نفسها التي رفعت بالأمس في إحدى زوايا ساحة الشهداء قبل ايام دعماً للجماعات المسلحة في حمص وحثاً لهم على سفك المزيد من الدماء في المدينة.

كشف تحرك "السلفيين" الميداني بالأمس حجم القوة التي يهددون بها لبنان، معتمدين على شعارات لا يمكن أن تنسجم مع حركة المجتمع فيه، في وقت تم فيه اختيار ساحة الشهداء كموقع للتجمع حيث يمكن "شد العصب" باعتبارها مكان دفن الرئيس رفيق الحريري، لكن "حزبه" الذي أعلن عدم مشاركته "السلفيين" في تحركهم إنما انطلق من واقع عدم "تدنيس" منطقة الاستثمار الأعلى ثمناً في هذا البلد وربما في المنطقة بأسرها والتي تتمركز فيها رؤوس الأموال الضخمة لآل الحريري وبعض العرب الغربيين.

لم يلتق حزب "المستقبل" مع تجمع أمس بالرغم مما يتمتعان به من وحدة رأي ووحدة هدف وهو اسقاط الدولة في سورية لمصلحة المشروع "الإسرائيلي" في المنطقة. وهم بادروا عبر ما يسمى بـ(المجلس الوطني السوري) الى تسليم مفاتيح دمشق الى الدولة العبرية، حتى قبل أن تطلبها، من خلال إعلانهم عن أن "إسرائيل" لن تكون عدوة لسورية إذا ما حكموها، لينجلي مشهد ساحة الشهداء عن عقل تآمري مذهبي يمتد من لبنان الى دول عربية كثيرة عليها أن تتوقع نتائج الحروب التي تخوضها بأموالها وبنفوس الناس الضعفاء.. على أراضيها.
إنها الحرب التي لن تنتهي بعد إحكام السيطرة على بابا عمرو في حمص وباقي المدن السورية.
  

السابق
ضاهر: اعتماد النسبية يغيّر الأمور
التالي
الراي: الاعتصام السلفي ناشد المسيحيين الصمود في أرضهم والبعثي هاجم خادم الحرمين وأمير قطر