ماذا يعني الإنتقال من محاكمة جماعة fدلاً من أفراد؟

لم تكن هناك أيّة مفاجأة في التزامن الذي حصل بين إطلالة رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي السير ديفيد باراغوانت أمس الأوّل لتوضيح المسائل الإجرائية المهمّة في عمل المحكمة، وبين سلسلة الإجراءات التي اتّخذت في الساعات القليلة الماضية على أبواب الاستحقاقات المقبلة، بعدما تسلّم المدّعي العام الجديد نورمن فارل مهمّاته قبل ثلاثة أيّام. فما الذي تعنيه هذه الإجراءات؟

يعترف المتابعون لملفّ المحكمة أنّ الطلّة الإعلاميّة الأخيرة لرئيسها لم تكن مصادفة، إذ رأت هذه المحكمة أنّها لا يمكنها الصمت إزاء الانتقادات التي تتعرّض لها وتجاوزتها بقرارَي التمويل أواخر العام الماضي، وتمديد التفويض المعطى لها لثلاث سنوات منتصف الشهر المنصرم في أفضل الظروف، فضلاً عن إبراز الحاجة الى وقف الجدل في بعض زوايا الملفّات المطروحة استعداداً لمرحلة المحاكمات الغيابية التي انطلقت بزخم مع تسلّم المدّعي العام الجديد مهمّاته.

ولذلك قالت مراجع معنية بالإجراءات المتّخذة إنّ باراغوانت أقفل امس الأوّل عدداً من الثغرات التي تواجه عمل المحكمة راهناً من أبواب وزوايا عدّة:

– أوّلها، إداريّ للإيحاء بأنّ المحكمة لم ولن تتأثر في مجريات عملها بالانتقال بين مرحلة بلمار ومرحلة فارل، وللتأكيد أنّ فيها ما يكفي من عناصر الاستمرارية بنحو سلِس وسريع غير متسرّع، ما يوفّر استمرار العمل بالزخم المطلوب للانتقال بعمل المحكمة من مرحلة التحقّق بالدرجة الأولى الى مرحلة المحاكمات التي يمكن أن تبدأ عمليّا في نهاية أيّار المقبل.

– ثانيها، من أجل تصحيح بعض التعريفات القانونية في قواعد الإجراء والإثبات في النظام الخاص بالمحكمة لتتطابق ومفهوم ما تضمّنه قانون العقوبات اللبناني، وتحديداً في ما يتّصل بما يلامس بعض العناصر الجرميّة الواردة في القرارات الاتّهامية التي صدرت وتلك التي يستعدّ قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين لإصدارها في الأيّام والأسابيع المقبلة بما يتّصل بالإضافة على القرار الخاص بجريمة 14 شباط وتلك الجديدة المنتظرة في الجرائم الثلاثة التي تمّ الإعلان عن الترابط بينها والجريمة الأم.

فالسعي إلى إدراج المفهوم القانوني الخاص باعتماد تهمة جديدة في قرار الاتّهام، وهي تهمة "تكوين جماعة إجراميّة"، التي لم يشملها القانون الخاص للمحكمة في أساسه على رغم وجودها في المادة 335 من قانون العقوبات اللبناني تحت مسمّى "عصابة مسلّحة"، يهدف الى تكوين الإطار القانوني لمحاكمة "مجموعة من الإرهابيين" شاركوا في الجرائم الأربعة، ما قد يؤدّي الى الخروج تدريجاً من "التهمة الفردية" للمتورّطين الى ما هو أشمل عند تناول البحث في المحاكمات المقبلة عصابة أو جماعة متورّطة في أيّ من الجرائم المرتكبة.

وتأتي هذه الخطوة من التعديلات المتوقّعة التي طاولت قانون الإثبات والإجراء للمرّة الثانية بعد التعديل الأوّل الذي أجري بناء على طلب محامي الدفاع عن الضحايا الذين طلبوا التوسّع في تحديد مفهوم الإرهاب ليشمل أبعد ما هو وارد في قانون العقوبات اللبناني. وعندها كانت التعديلات قد أنتجت اعترافاً باعتبار "استخدام الرصاص" في الجرائم التي ارتكبت في لبنان من "الأدوات الإرهابيّة" كما "المتفجّرات" لضمان حقوق الضحايا في جرائم مماثلة كتلك التي طاولت الوزير والنائب الشهيد بيار الجميل والتي يمكن أن يشملها نظام المحكمة في وقت ما قد يكون قريبا.

– ثالثها، أنّ التوضيحات التي أدلى بها باراغوانت حول أصول ضمّ جرائم أخرى الى الجريمة الكبرى جاءت لتمهّد الطريق الى احتمال هذا الضمّ، وهو لذلك لم يفعل شيئا سوى التذكير بالأصول المعتمدة التي نصّ عليها برتوكول التعاون بين لبنان والمحكمة لضمّ جرائم إضافية، خصوصاً لجهة التوافق المطلوب بين الحكومة اللبنانية ومجلس الأمن الدولي، ولإعطاء انطباع واضح وصريح بأنّه لن تكون هناك جرائم خارج اختصاص المحكمة، متى توافر الربط بينها وبين الجريمة الأم في مواجهة الساعين إلى الإفلات من العقاب.

– رابعها، أنّ تناول باراغوانت ملفّ ما سمّي "الشهود الزور" يُفترض أن ينهي الجدل في بيروت حول هذا الملفّ. وقد كان واضحا قوله إنّ هذا الملف لا وجود له حتى اليوم، وعلى الأقلّ لن يكون متوافراً قبل أن تنتهي المحاكمات في لاهاي، وفي التوضيحات ما هو كافٍ للدلالة إلى أنّ مضمون المادة 152 من قواعد الإثبات والإجراء لن يكون مثل هذا الملفّ موجودا فيه قبل بدء المحاكمة، وحتى قبل إثبات أنّ المحكمة قد أخذت بإفادة أيّ من هؤلاء الشهود الزور. وحتى بالنسبة الى الضبّاط الأربعة فلم يثبت الى اليوم أنّه تمّ الأخذ بإفادات شهود كاذبين لتوقيفهم. مع الإشارة الى أنّ توقيفهم تمّ بموجب القوانين اللبنانية التي لم تأخذ بها المحكمة التي أطلقتهم ضمن مهلة التسعين يوماً التي نصّ عليها نظام المحكمة طالما إنّ التهم الموجّهة إليهم لم تثبُت بالدليل القاطع فأفرجت عنهم المحكمة في مهلة أقل من 60 يوماً بيوم واحد، وهو الفارق بين الإعلان عن بدء عمل المحكمة في الأوّل من آذار ووضع الضبّاط في تصرّفها، وتاريخ الإفراج عنهم في 29 نيسان وهو أمر لا تجيزه القوانين اللبنانية، فيما تحظّر المحكمة توقيفهم أكثر من 90 يوماً تُجدّد كلّ 30 يوم منها ولا يمكن تمديدها من 60 إلى 90 يوماً ما لم يُعلّل التوقيف بدقّة، وهو ما حصل عند الإفراج عنهم، عملاً بما نصّت عليه شرعة حقوق الإنسان والقوانين الدولية. وكلّ ذلك يؤشّر الى أنّ الضبّاط الأربعة سيحضرون أمام المحكمة الخاصة من جديد فور بدء المحاكمات للاستماع الى إفاداتهم، وعندها ستظهر إمكانية وجود شهود زور من عدمه. وفي تفسير إضافيّ لما قيل، يمكن التأكيد – في مثل الحالة القائمة – أنّ محمد زهير الصدّيق لا يمكن اعتباره شاهد زور حتى اليوم طالما إنّ المحكمة أهملت أقواله حسب ما أعلنت في مناسبات سابقة، وهذا ما ظهر ثابتاً من خلال عدم القدرة على استفادة اللواء جميل السيّد من مضمون 760 صفحة سلّمته إيّاها هيئة المحكمة لإثبات ما يتّصل بوجود شاهد زور واحد.

وفي أيّ حال، ومن دون البحث في كثير من التفاصيل، يعترف المتابعون لملفّ المحكمة أنّ كلّ هذه الحركة القضائية والإدارية على مستوى المحكمة ستتزامن مع إجراءات أخرى ستؤدّي حتماً الى تسريع العمل بالمراحل المنتظرة، وإنّ غداً لناظره قريب.

  

السابق
أوباما وقداسة إسرائيل
التالي
بابا عمرو..غليون ووعود حمد