قراءة في الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية

حافظت إسرائيل على صمت شبه تام طوال الثلاث شهور أو المئة يوم الأولى من الثورة وهي الفترة نفسها التي قبلت فيها قوى إقليمية ودولية فكرة أن الرئيس السوري بشار الأسد قادر وبإمكانه قيادة الإصلاح في البلد. ومنذ الصيف بدأت التقديرات أو التصريحات الإسرائيلية العلنية في الظهور، وكانت البداية من وزير الدفاع ايهود باراك ـ المحلل الاستراتيجي البارز لشؤون الشرق الأوسط حسب التوصيف الساخر واللافت لأحد المعلقين ـ والذي جزم بأن النظام السوري سيسقط خلال عام الى عام ونصف العام، ثم توالت التصريحات المماثلة سواء من باراك نفسه أو من رئيس الأركان الجنرال بيني غينتس ومدير عام الوزارة الجنرال عاموس جلعاد الذي يعتبر أيضاً أحد كبار المفكرين الأمنيين، والتي تجمع على حتمية سقوط النظام مع العجز عن تحديد سيناريو السقوط أو طبيعة الوضع الذي سينشأ بعد ذلك.
"قبل السقوط" هذا هو العنوان الذي اختاره محللا الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس العسكريان هارتس افي يسخروف وعاموس هرئيل لمقالهما الذي لخّصا فيه – الجمعة 6 كانون ثاني- الحلقة البحثية التي أقامها المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية الذي يديره دوري غولد السفير السابق في الأمم المتحدة والمقرب من نتنياهو حول التطورات في سوريا بمشاركة نخبة من الباحثين والمختصين منهم على سبيل المثال لا الحصر العميد جاك نارييه الذي خدم كسكرتير عسكري لرئيس الوزراء الراحل اسحق رابين ود.شمعون شابيرا السكرتير العسكري لرئيس الوزراء نتنياهو أثناء ولايته الأولى إضافة الى السفير السابق في القاهرة تسفي مزال ونخبة من الباحثين والمختصين خريجي جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان). ناقشت الحلقة ما وصفه المعلقان بأحداث متطرفة أو شاذة مثل مبادرة النظام الحالي الى شن الحرب ضد إسرائيل أو مبادرة النظام الجديد الى توقيع معاهدة سلام معها، وهي الأمور التي تم استبعادها مع التوافق على سقوط النظام الحتمي خلال 2012 ـ وهو التقدير الرسمي لشعبة الاستخبارات ـ والاختلاف على سيناريوات ما بعد السقوط، وهل ستقع حرب أهلية تدفع باتجاه التقسيم أم يتغلب العامل الوطني السوري الداخلي وحتى العلماني ـ حسب تعبير نارييه ـ الذي رفض أيضاً ولنفس العامل فكرة أن يكون النظام الجديد الأول بين الأنظمة الجديدة التي توقع معاهدة سلام مع إسرائيل مع اهتمام كبير بلبنان طبعاً من زاوية الترسانة السورية الهائلة التقليدية وغير التقليدية وإمكانية وصولها الى حزب الله أو حتى في ما يتعلق باحتمال الذهاب الى حرب أهلية كجزء من التداعيات اللبنانية للتطورات السورية.
إسرائيل الرسمية وبموازاة التقدير المعلن بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد تراقب عن كثب مجريات وسيناريوات الأحداث خصوصاً في بعدها الأمني وتحديداً في ما يتعلق بالوضع على الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان ومصير الترسانة السورية والجانب الصاروخي منها وهي ردت بشكل تكتيكي عبر إغلاق المنفذ البري الوحيد في هضبة الجولان وزيادة الاحتياطات الأمنية والعسكرية في الهضبة خصوصاً في محيط تل الصرخات كما بقرار بناء جدار أمني على الحدود مع لبنان لمواجهة أي تصعيد محتمل من قبل النظام السوري لحرف الانتباه عن المجازر التي يرتبكها في حمص وحماه وبقية المدن الثائرة مع استبعاد قيامه بشن حرب ضد تل أبيب حتى ضمن المنطق الشمشوني، أما في ما يتعلق بمصير الترسانة العسكرية السورية وكما أعلن وزير الخارجية افيغدور ليبرمان في الأمم المتحدة منذ أيام فإن إسرائيل تراقب عن كثب هذا الأمر واحتمال وصول كميات كبيبرة ونوعية منها الى حزب الله أو قيام هذا الأخير بفتح الجبهة ضد الدولة العبرية للفت الانتباه عن مأزق حلفائه في دمشق، وهذا أيضاً احتمال مستبعد لتداعياته الكارثية على الحزب ولبنان. وعموماً لا يمكن استبعاد خطوات تصعيدية إسرائيلية مثل القيام بعمليات كوماندوس داخل العمق السوري خصوصاً إذا ما سادت حالة من الفوضى قبل وبعد سقوط النظام أو حتى توجيه ضربات ضد مخازن ومستودعات حزب الله، ولو أدى ذلك للوصول الى حرب تعتقد تل أبيب أنها ستجد مساندة أو تفهماً دولياً وحتى إقليمياً لها شرط ألا يطول الزمن وأن لا تطال المدنيين والبنى التحتية اللبنانية علماً أنها تفضل في المدى المنظور المراقبة عن بعد وترك الأمور لتأخذ مجراها وتترك آثارها إن في سوريا أو لبنان وعموم المنطقة.
لا بد من الإشارة أيضاً الى الاختلاف في ما يتعلق بآثار سقوط النظام السوري على إسرائيل وبينما اعتبر وزير الدفاع ايهود باراك الأمر مفيداً خصوصاً لجهة إضعاف محور إيران حزب الله حماس وتبدل المشهد والتحالفات السياسية في المنطقة مع قلق تجاه الهدوء في الجولان رأى مدير عام الوزارة الجنرال عاموس جلعاد أن الخطر قد يكون ذا طابع استراتيجي وأكثر خطورة على إسرائيل خصوصاً إذا ما وصل الإسلاميون الى السلطة في دمشق ما سيؤدي الى نشوء حلف معادي مع نظرائهم في مصر، ليبيا، تونس وربما الأردن أيضاً. وهنا لا بأس من التطرق الى ما قاله قائد الاستخبارات العسكرية (أمان) الجنرال أفيف كوخافي أمام مؤتمر هرتسيليا الأخير الثورات العربية تتنتج أجواء أكثر إسلامية أكثر تسلحاً، أكثر عداء ضد إسرائيل علماً أن هذا يمثل العنوان الإسرائيلي الرسمي والعام للتعاطي مع الثورات العربية بما في ذلك الثورة السورية.
  

السابق
أهالي حي البياض -النبطية اعتصموا احتجاجا على انقطاع التيار عن منازلهم منذ 10 أيام
التالي
حبيش: التيار الوطني قام خلال ممارسته السلطة بما اتهم الآخرين به