رومية… فندق خمس نجوم؟

يعود ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة مجدداً، وسط ارتفاع الأصوات المطالبة برفع الظلم عن هؤلاء القابعين في سجن رومية، منذ أعوام من دون محاكمات… وفي حين يشكو المساجين عموماً من بيئة السجن المأساوية، أفاد مصدر أمني من داخل سجن رومية «الجمهورية» أنّ «الموقوفين الإسلاميين يخضعون من جهتهم، لتسهيلات وامتيازات خاصة تؤمّن لهم الرفاهية، وأرضاً خصبة لنشر فكر سلفي أقرب إلى تنظيم «القاعدة»!»

لا يختلف واقع سجن رومية عن الأوضاع المزرية في سائر السّجون في لبنان والتي لا تصلح بيئتها لحياة بشرية، في ظلّ انتشار روائح العفن والرطوبة في زنزاناتها… إلى جانب الاكتظاظ المخيف، فبينما يتعدى عدد السجناء في سجن رومية الخمسة آلاف، تُختصر قدرته الاستيعابية بـ 1500 سجين، ما يُترجَم على أرض الواقع انتهاكاً فاضحاً للخصوصيّة الفرديَة ومرتعاً خصباً لتوالد الأمراض وانتقال العدوى.

سجناء من مختلف الأنواع

تتعدّد التُّهم والسّجن واحد: فمن سارق السيارات إلى مروّج المخدرات ومتعاطيها، إلى القاتل، إلى المعتقل بسبب قضية سياسية أو بتهمة الالتحاق بتنظيمات إرهابية، وأبرز المتّهمين فيها هم الموقوفون الإسلاميون، الذين تثور قضيتهم وتهدأ مع تقلّبات الوضع السياسي.

وأشار المصدر الأمني إلى أنّ "عدد الإسلاميين في المبنى "ب" يبلغ اليوم 230 شخصا، وتحديدا 130 موقوفا في المجلس العدلي، و20 موقوفا آخرين منقسمين بين المحكمتين العسكرية والعسكرية التمييزية، فضلا عن 70 محكوما في العسكرية"، موضحا أنّ "معظم الإسلاميين تابعون لـ"فتح الإسلام" وللمدرسة السلفية الجهادية، والقسم الآخر يتوزّعون بين تابعين لتنظيم "القاعدة" وجماعة "جند الشام" من عين الحلوة، وجماعة "عصبة الأنصار".

متعدّدو الجنسيّات!

أحد أبرز الموقوفين بتهمة تنظيم مجموعة مسلّحة مرتبطة بتنظيم "القاعدة"، ورئيس لجنة الدفاع عن الإسلاميين الشيخ نبيل رحيم، روى أنه خرج "منذ 7 أشهر من السجن حيث قضى أكثر من ثلاثة أعوام، حضر خلالها 21 جلسة ولم يتمّ النطق إلا بحكم واحد وعلى أساسه تمّ التميّيز وأخلي سبيله عن طريق محكمة التمييز"، مؤكدا براءته وبراءة معظم رفاقه من التهم التي سيقت بحقهم.

ولفت رحيم، في اتصال مع "الجمهورية"، إلى أنّ "الموقوفين الإسلاميين متعدّدو الجنسيات، فإلى جانب اللبنانيين الذين يناهز عددهم الـ80، هناك من هم من الجنسية السورية والفلسطينية والسعودية واليمنيّة والتونسية والجزائرية والتركية والروسية والألمانية والدانماركية"، مشيرا إلى أنّ "قسماً منهم مُتّهم بانتمائه لـ"فتح الإسلام"، وقسماً آخر متّهم بأنه ينتمي إلى "القاعدة"، إضافة إلى قسم متهم بتشكيل عصابات داخلية لها علاقة بـ"القاعدة".

من جهته، أكد المصدر الأمني أنّ "الطابق الثالث مرتّب وراقٍ، مقارنة مع الطوابق الأخرى في السجن"، موضحاّ أنّ "أرضيّته مغطّاة بخشب الباركيه، وهو مجهّز بالأدوات الكهربائية والمنزلية، وبنادٍ لكمال الأجسام … كما أنّ بحوزة كلّ موقوف وبشكل علني هاتفاً خلوياً وسكيناً خاصاً به".

وإذ لم يُنكر رحيم صحة هذه المعلومات، شدّد على أنّ الفضل يعود إلى اتّحاد الإسلاميين في ما بينهم، وقال: "جميعنا يد واحدة، ونعمل ضمن كتلة أو ما يسمّى بـ"اللوبي" بمبادرات شخصية، وهذا ما يميّزنا عن سائر السجناء". وأشار إلى "أنّنا نوزّع المهمّات على بعضنا، كلٌّ وفق اختصاصه، فتولّينا صيانة المبنى "ب" وتصليح الكهرباء والمجاري الصحية، وغيرها من الكماليّات، وأيضا خصّصنا غرفة لـ satellite لرصد أبرز القنوات التلفزيونية، المحلية والفضائية، لنتمكّن من متابعة آخر المستجدّات في المنطقة"، مضيفاً: "إثر الانتفاضة الأخيرة في السجن، والتي لم نشارك فيها، انطلاقاً من قناعتنا بأنّ أسلوب العنف تعبيراً عن مطالبنا لا ينفع، بادرنا الى تنظيف المبنى ودهنه بالكامل… هذا وعمدنا إلى تنظيم لجنة داخل السجن لإدارة شؤون سكان المبنى وضبط أمنه، وهي تشمل كلّ الطوائف الأخرى".

دار الفتوى: رعاية واهتمام

ولفت رحيم إلى أنّ "جمعية رعاية دار الفتوى تزورنا دائماً للاطلاع على أوضاعنا والاستفسار عن احتياجاتنا، خصوصاً أنّ الجميع يعلم، وللأسف، بالتقصير الحاصل في السجن، من ناحية الطعام الذي لا يؤكل والطبابة التي تفتقر إلى أبسط مكوّناتها، والمياه الملوّثة… وعلى الأثر، تواصلنا مع مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الذي طلب، مشكوراً، من هيئة دار الفتوى لرعاية السجناء تقديم المساعدات الاجتماعية والغذائية والطبّية لنا… وبالنسبة إلى مياه الشفّة، طلبنا منذ عامين من الرئيس نجيب ميقاتي مشكوراً هو أيضا، وقبل تولّيه رئاسة الحكومة، تزويدنا بمحطة تكرير للمياه، وقد وضعناها في تصرّف كلّ الطابق من دون استثناء".

وقد أيّد المصدر الأمني رحيم في معلوماته، قائلاً: "ترسل دار الفتوى إلى الموقوفين يومياً وجبات الطعام الساخنة والفاخرة، لا سيما في شهر رمضان المبارك، وكذلك يخصّص لهم أطباء غير أطباء السجن، ويؤمّن نقلهم، في حال المرض، إلى مستشفيات مجهّزة ("الباشق" و"الحياة")، وذلك في إطار "خصوصية أمنية" ترعاها "قوى سيّارة" وليس دركاً عادياً"، وأحياناً كانت تدفع الكفالات لتأمين خروج البعض"، معتبراً أنّ "دار الفتوى تهاب الموقوفين وتحرص على إرضائهم".

غبن وتخاذل

وفي اتصال مع "الجمهورية"، نفت دار الفتوى خوفها من الموقوفين الإسلاميين، وأكدت على لسان رئيس هيئة "رعاية السجناء وأسرهم" الشيخ ماهر جارودي أنّ "ملفّ الموقوفين ملفّ ألحق فيه الغبن منذ اللحظة الأولى، ومن الطبيعي أن تدعمه دار الفتوى وأن تسعى إلى تسليط الضوء عليه، نظراً إلى تخاذل القوى الأمنية في التعامل مع هذا الملفّ بجدّية". وإذ رأى جارودي أنّ "دار الفتوى معنيّة بإدارة شؤون الطائفة خصوصاً بمناصرة المظلومين"، أشار إلى أنّ "المساعدات التي تقدّمها الدار تشمل جميع السجناء من دون استثناء".

وفي حين أفاد المصدر الأمني أنّ "الموقوفين الإسلاميين لا يختلطون مع غيرهم، على اعتبار أنّ سكان الطابق الثاني هم من المسيحيّين أيّ "كفّار"، ومن الشيعة أي "المرتدّين" كما يسمّونهم"، نفى رحيم الموضوع نفياً قاطعاً مشدّداً على أنّ "الانقسام الطائفي المتفشّي في الخارج، غير موجود داخل السجن".

أمير في السجن

وسلّط المصدر الأمني الضوء على أنّ "الموقوفين ينظّمون، وخلافاً لقانون السجن، حلقات فكرية يديرها راهناً من نصّبوه "أميراً" ومسؤولاً عنهم وهو الموقوف اللبناني الجنسية، الشيخ خالد يوسف، والذي تمّ اعتقاله في سوريا أثناء قيامه بعملية تسليم السلاح عبر سوريا إلى "القاعدة" في العراق ونُقل لاحقاً إلى لبنان".

وتابع: "الشيخ يوسف هو الآمر والناهي في الجماعة في السجن، والوسيط بينها وبين إدارة السجن. كما يتولى مهمة الإشراف والتدريس الديني والفكري في الجماعة، ويرأس الحلقات التي يتداولون خلالها في نشاط فكري معيّن أقرب الى فكر تنظيم "القاعدة"، معتبراً أنّ "السجن يحمي حراكهم الفكري ويدعمه بطريقة غير مباشرة، بدلاً من حدّه وتقييده".

من ناحيته، طالب رحيم بمحاكمة جميع الإسلاميين الذين شاركوا في أحداث نهر البارد، "من شارك فليُحاكم، إلا أنّ عدداً كبيراً منهم بريء وحتى الآن لا توجد أي تهم بحقهم، فأي عدل وأي إنصاف هذا؟"، لافتاً إلى أنّ "أهالي الموقوفين الإسلاميين وبمشاركة كل الهيئات والجماعات الاسلامية متّجهون يوم الأحد المقبل للتصعيد السلمي والاعتصام الحاشد في طرابلس لتجديد المطالبة برفع الظلم عن أبنائهم".

وأضاف رحيم: "ثمّة أطراف في لبنان يصوّرون الإسلاميين وكأنهم آكلو لحوم البشر، وهذا غير صحيح وأنا على معرفتي بالسجناء الإسلاميين، أؤكد أنهم دعاة سلام ولا يريدون المشاكل، ولكن يحملون فكراً وبُعداً يختلفون بهما عن الآخرين". ورداً على سؤال عن التحضير لحكم إسلامي سلفي، أجاب: "نحن لسنا في صدد إنشاء إمارة إسلامية، وقلنا مراراً أنّ لبنان لا يصلح للحكم الاسلامي، ولا وجود للأصولية في لبنان، كما يروّجون ويتخوّفون".

"القاعدة" في لبنان

مسألة وجود "القاعدة" في لبنان، باتت تشكّل منذ أعوام مادة تجاذب وسجالات داخل الساحة اللبنانية، تضاف إلى غيرها من المشاكل والخلافات.

وقال مصدر قضائي لـ"الجمهورية" أنّ "من يبحث في سطور القرارات والأحكام القضائية الإعدادية والاستئنافية والتمييزية المبرمة على حدّ سواء، والصادرة بدءاً من العام 2000، في خصوص جرائم إرهابية وقعت على الأراضي اللبنانية، أو طاولت مواطنين لبنانيين، يجد تنظيم "القاعدة" في صلبها، أو مجموعات تسعى إلى التواصل معه والتقرّب منه، بغية تبنّيها وتقديم أوراق اعتمادها لديه ولو اسمياً".

ويستند القضاء عادة في قراراته، بحسب المصدر القضائي، إلى "تحقيق أوّلي يصله من الأجهزة الأمنية الرسمية باختلاف مشاربها، ولا سيّما من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، و"فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي، ويجري تحقيقاته الاستنطاقية عبر استجواب المدّعى عليهم الموقوفين، وتبيان الحقيقة على رغم جموح كثيرين من هؤلاء المدّعى عليهم إلى نفي ما ورد في محاضر التحقيقات الأوّلية، والادعاء بأنّها حصلت تحت وطأة الضغط والإكراه والتعذيب، وهو سيناريو يتكرّر لاحقاً أمام المحكمة المعنية بالنظر في هذا الملفّ أو ذاك".

وأكد المصدر أنّ "أغلبية الملفّات ذات الصبغة الإرهابية، إن لم نقل كلّها، تفوح منها رائحة "القاعدة" أو "فتح الإسلام"، أو غيرهما من التنظيمات المتشدّدة، وتتوّج بقرار قضائي بالإدانة والتجريم، أيّ بتأكيد مضمون الفعل الإرهابي والعمل الإجرامي الذي فُكّكت هذه الشبكة على أساسه، أو اعتقلت خليّة أخرى بناء على معلومات تتطوّر مع الزمن، لتصبح تحقيقات فأحكاما".

عمر بكري: لا قاعدة

في المقابل، أوضح الشيخ عمر بكري فستق "الخبير في الجماعات الإسلامية" أنّ "هؤلاء يشكّلون في لبنان حالات فردية وغير تابعة لتنظيم عسكري أو لقائد يجمعهم"، كاشفاً أنّ "غالبيتهم في السجون ومحاصرون، وهم أجانب آتون من دول عربية ودول شمال أفريقيا، وقد سُجنوا على خلفية أحداث البارد ولا يزالون قابعين في السجون".

ولفتت مصادر أخرى مطّلعة إلى أنه "بغضّ النظر عن الملابسات المختلطة، فإنّ الأكيد أنّ مجموعات متعدّدة قريبة فكرياً على الأقل من تنظيم "القاعدة"، تنشط في لبنان، وتحديداً في مخيّمات اللاجئين وحولها، من دون أن تكون بالضرورة فلسطينية، حتى لا يحمل اللاجئون الفلسطينيون أي مسؤوليات أو تطلق عليهم اتهامات مجحفة".

إلا أنّ بكري نفى وجود "القاعدة" في لبنان، "وهذا ما أعلنه التنظيم بنفسه، أي أنّ "لبنان ليس أرض جهاد بل أرض نصرة"، معتبراً أنّ "هذا الموضوع هو شأنه شأن التوطين الفلسطيني من حيث توظيفه في النقاشات والسجالات الداخلية".

وأعلن بكري أنّ "القاعدة" حتى تحقق أهدافها "تحتاج إلى بيئة حاضنة لفكرها الجهادي"، مؤكداً أنّ "التركيبة اللبنانية الفريدة" ساهمت في غضّ طرف القاعدة عن البلد، فالوضع المعقد والمتداخل في لبنان يجعل من الصعوبة بمكان جعله نموذجاً إسلامياً". ورأى أنّ "معظم الحركات السلفية الموجودة في لبنان هي من الحركات الموالية للسعودية ولـ"التيار السنّي" في لبنان، وبالتالي هي تتعارض مع مبادئ الحركات السلفية الجهادية، ولا تشكّل خطراً على أحد"، مشيراً إلى أنّ "نشاطاتها ليست عسكرية بل تربوية، معاهد شرعية، تبرّعات ومساعدات إنسانية واجتماعية".

شربل: ضبط الوضع

من جهته، جدّد وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، في اتصال مع "الجمهورية"، تأكيده أنّ "لا وجود لأي تقارير أمنية تثبت وجود عناصر لـ"القاعدة" في لبنان". وعلى صعيد ملف السجون، لفت شربل إلى "تقدّم ملموس خصوصاً أن العمل جارٍ بالتنسيق مع عدد من الوزارات، من خلال الزيارات التي يقوم بها الوزراء للسجون، والتواصل الدائم مع السجناء"، كاشفا عن قرار يقضي ببناء 4 سجون جديدة، موضحا أنّ "مساحة سجن رومية تبلغ 180 ألف متر مربع في حين لم يستغل منهم سوى 17 الف متر مربع".

إلى ذلك، ربط شربل النسبة المرتفعة للأحداث الأمنية في لبنان، بـ"التطوّرات الاقليمية ولا سيّما على الساحة السورية"، مؤكدا أنّ "الأجهزة الأمنية تبذل قصارى جهدها لضبط الوضع".
  

السابق
الخوري يعلن نتائج فحوصات نهر بيروت
التالي
سَلِمَ شعبنا..أم ســلَّم…؟!