حمص..على الطريق!

لم تكن حمص البداية ولن تكون النهاية
وطالما انه تم "تحريرها" بعد تدميرها وحرقها على أيدي قوات سلطة الأسد، وطالما أن أهلها دفعوا الثمن الأغلى لحريتهم، فإن التاريخ العسكري والسياسي والأخلاقي والشرفي والناموسي العربي سيسجّل ان الجغرافيا ظلمتها ووضعتها في الطريق الى الجولان! وكان لا بد بالتالي، من تسويتها بالأرض وتشريد شعبها تمهيداً للعبور العظيم الى الأراضي المحتلة من قبل الصهاينة منذ سنوات وسنوات وسنوات.. وما على أهل الممانعة والمناتعة والمقاومة بعد ذلك إلا وصل الليل بالنهار احتفالاً وانتشاء وافتخاراً بذلك الإنجاز الإلهي! الذي سيسمح لهم أخيراً، وأخيراً جداً، بتحقيق وعدهم الأكبر بتحرير ما تبقى من أراضٍ عربية وإسلامية محتلة ومنتهكة ومسلوبة ومسروقة ومحروقة!
..والمعركة في حمص يا اخوان، كانت "عظيمة" بقدر ما كانت عليه معركة "تحرير" حماه في العام 1982! وستليها معارك مماثلة في مواقع "استراتيجية" مشابهة! وكلها في مجملها ستشكل حيّزاً مشعّاً في كتاب الانعتاق البعثي من زمن الاحتلال الى زمن التحرّر! ومن زمن التآمر التفتيتي الغربي الى زمن الاقتدار الوحدوي العربي المؤهل لدحر كل تآمر مهما كبر!
..في الطريق الى تلك الخلاصات، عنّ على بالي تاريخ قريب. في بعضه انه عشية إكتمال انهيار الاتحاد السوفياتي وتفتته، دارت في قلب موسكو معركة للسيطرة على السلطة، بدأت بانقلاب عسكري ـ حزبي على غورباتشوف، ثم بانقلاب يلتسين على الانقلابيين: إمبراطورية عظيمة، فيها حزب رجراج حكم نصف الكرة الأرضية. وفيها ما فيها من العسكر والعلم والفضاء والطب والفن والأدب. جاء ضبّاط جيشها ونفّذوا الانقلاب، لكن رصاصة واحدة لم تطلق على أي مواطن روسي! الجيش السوفياتي الذي دحر النازية في معارك عظمى ومستحيلة، اندحر بكل بساطة وهدوء أمام المواطن الروسي الأعزل والحفيان والجوعان. وأتذكر أكثر من ذلك، ان قائد الانقلابيين وقف أمام الكاميرات لإعلان بيان الانقلاب وكانت يداه ترتجفان حرفياً.. في حين ان يلتسين الذي "قصف" مبنى البرلمان الروسي، وقف على دبابة عسكرية لقيادة الشارع ضدّ الانقلابيين!
.. في انتفاضة ساحة تيانيامين في قلب بكين، أواخر تسعينيات القرن الماضي، وقفت دبابة صينية في وجه مواطن غرّ أعزل ولم تستطع أن تتقدم خطوة واحدة: الجيش الأحمر الصيني، المليوني، انحنى بجبروته أمام ذلك الشاب، لانه في المحصّلة الأخيرة، ليس عدواً يستحق السحل! وانما مواطن له وجهة نظر أخرى! لا تقرّها الدبابة وسائقها وأصحابها، لكن ذلك لا يعني استخدامها ضدّه وضد غيره من "المواطنين" في الداخل!
أمثلة كثيرة مماثلة، وبعضها آتٍ من ربيع العرب ذاته، من مصر وتونس واليمن (حتى اليمن) تظهر مدى ثخانة الدم الوطني وطهارته وحريته… أين سلطة الأسد وبعثها وكتائبها ودباباتها ومدفعيتها من ذلك كله ومن سوريا وشعب سوريا؟!
والمعضلة الأمرّ تكمن في افتراض صاحب الدبابة السورية، أن تلك ستمكّنه مجدداً من العودة الى حكم سوريا وشعبها، من دون أن ينتبه، الى أن ثخانة الدم الذي أهُرق، أكبر وأعظم من ثخانة جنازير تلك الدبابة أياً كان ثقلها!
  

السابق
أين سامي الجميل لولاها؟
التالي
الأشقر: نعتز بشهدائنا ونرفض ان تكون كتابة التاريخ وجهة نظر