تردّد أميركي في مقابل حماسة أوروبية

لا يبدو واضحا بالنسبة الى كثير من المراقبين اذا كانت الولايات المتحدة تعتمد مع سوريا الاسلوب نفسه الذي اعتمدته مع ليبيا لجهة القيادة من خلف مع وجود اوروبا وخصوصا فرنسا وبريطانيا في واجهة التطورات في ليبيا . اذ ان الولايات المتحدة التي اظهرت ترددا كبيرا ازاء الدخول المباشر على خط التطورات الميدانية في سوريا تبعا للمواقف التي اطلقتها باكرا رئيسة الديبلوماسية الاميركية هيلاري كلينتون لا تزال تعطي مؤشرات متناقضة في هذا الاطار الى درجة اعتقاد كثر ان واشنطن تظهر متمهلة وصبورة في التعامل مع النظام السوري على عكس ما اعتمدته مع الرئيس المصري حسني مبارك ومع الانتفاضات العربية الاخرى . فهناك اختلاف في الاسلوب الغربي في مقاربة الوضع السوري بحيث يصح من جهة القول ان التقاء هذه الدول لا يعني اصطفافها من ضمن الافكار كلها كأنها دولة واحدة فيما الدول الغربية متعددة ولها مصالح مختلفة ومتنافسة كما يصح ايضا القول والاستنتاج ان هناك مقاربات متعددة وتناقضا يفقد الغرب او المحور الداعم للشعب ضد النظام السوري بعض الاوراق المطروحة اهميتها.

اذ ان البعض من هؤلاء المراقبين يلفته تناقض في المواقف على نحو يوحي بان اللغة ليست موحدة بين الدول الغربية ازاء التعامل مع ما يجري في سوريا. فازاء الحماسة التي تبديها فرنسا خصوصا بين الدول الاوروبية التي تتناقض بدورها في ما بينها تظهر الولايات المتحدة ترددا اكبر في مقاربة الامور وقد برز ذلك في تقليل واشنطن من اقتراح فرنسا انشاء ممرات انسانية آمنة لمد الشعب السوري بالمساعدات كما برز اخيرا نقض العاصمة الاميركية للتفكير الفرنسي في امكان احالة الرئيس السوري بشار الاسد على المحكمة الجنائية الدولية. فهذا التناقض وان كانت اسبابه تكمن في وجود عقبات امام تنفيذ هذه الاقتراحات باعتبار ان هناك من يتجنب تكرار تجربة العقيد الليبي معمر القذافي من خلال مسارعة الغرب باقفال الخيارات امامه بإحالته باكرا على المحكمة الجنائية الدولية، فان هناك من يعتقد بان هذه الاقتراحات او اي اقتراحات مماثلة لا تصمد على نحو كاف ولاسابيع مثلا في المداولات السياسية والاعلامية بما يمكن ان تشكل ضغوطا كافية على النظام في سوريا او على محيطه من اجل ان يشعر هذا المحيط على الاقل بان الخيارات امامه باتت محدودة في ظل احتمالات كهذه. والامر نفسه ينسحب على الموقف الاميركي من تسليح المعارضة السورية بحيث سارعت كلينتون الى دحض هذا الاقتراح على نحو يظهر وجود تخبط قوي بين القوى الصديقة للشعب السوري وعدم البحث جديا في الخيارات المتاحة للمساعدة. وهذا على الاقل ما توحيه المواقف المعلنة ولا تدحضه اللقاءات التي تعقد لهذه الغاية مما يؤشر الى اختلاف الاجندات وتعددها في التعامل مع الازمة السورية حتى من ضمن الفريق الواحد اي الفريق الداعم للشعب السوري وليس فقط اختلاف الاجندات بين الدول الداعية لتغيير النظام والاخرى الداعمة له اي روسيا والصين وايران.

ويعتبر المراقبون ان فرنسا تشعر بنفسها معنية اكثر باظهار اهتمامها بما يجري في سوريا قياسا على التجربة التاريخية التي لها مع دول المنطقة وقد ساعدها اندفاعها في ليبيا وتونس ولاحقا في مصر في ان تخفف من وطأة وقوفها الى جانب الانظمة التي ثار عليها شعبها بعدما لقيت السياسة التي اعتمدها الرئيس نيكولا ساركوزي مع قادة هذه الدول انتقادات كبيرة لدى الرأي العام الفرنسي. كما يعتبر هؤلاء ان للانتخابات الفرنسية تأثيرها في هذا الاطار شأنها في روسيا التي يرى المسؤولون الفرنسيون ان موقف مرشحها الرئيسي فلاديمير بوتين من سوريا قد يتبدل بعد الانتخابات الروسية. وقد اظهر توجيه وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه دعوة الى الاقليات المسيحية بعدم الخوف مما يجري وان وجودهم وطمأنتهم موضوع متابعة وحرص من فرنسا والدول الغربية في هذا الاطار ان فرنسا هي اكثر تعاطفا وتفهما وموقفها يستند تاريخيا الى كونها كانت لعقود طويلة الام الحنون بالنسبة الى لبنان من زاوية تقديمها الدعم للمسيحيين سابقا ودعم وجودهم السياسي فيه. وهو امر يمكن ان يساعدها علما ان احد ابرز المشكلات لدى الغرب هو حض الاقليات على الانفكاك عن الرئيس السوري وهناك تلاق على محاولة العمل على طمأنة هذه الاقليات.

في حين ان الولايات المتحدة اظهرت ترددا في السير حتى بالحماسة الفرنسية في مجلس الامن لدى بدء البحث في ادانة النظام السوري دوليا. وظهر ترددها اكثر مع الكشف عن احتمال تورط القاعدة في دعم المعارضة السورية ضد النظام او عن احتمال ان يساهم تسليح المعارضة في دعم القاعدة او حماس وفق التحفظات التي ابدتها الوزيرة كلينتون على هذا الاقتراح بحيث يغدو السؤال المطروح هل ان الولايات المتحدة تتولى القيادة من خلف او تتولاها مباشرة في الموضوع السوري وفق ما يبدو باعتبارها معنية اكثر بالموقع الجيوسياسي لسوريا من حيث تأثيره على امن اسرائيل وخشيتها من الفوضى التي يمكن ان تنشأ في دولة مجاورة لاسرائيل ولا يمكن ان تتحكم بها.  

السابق
أهالي المناطق الجبلية محاصرون بالعاصفة.. ويبحثون عن مازوت التدفئة
التالي
الضاهر يربح بانتظار التمييز