بري في قبرص لتصحيح الحدود

تعيش قبرص هذه الأيام أجواء شتاء ماطر وعاصف، لم تشهد له مثيلاً منذ سنوات طويلة، تماماً كما هي أحوال الطقس في لبنان.
ومع وصول الرئيس نبيه بري إلى نيقوسيا أمس، هطل الثلج على المدينة، للمرة الأولى هذا العام، ما أشاع مناخاً احتفالياً في صفوف أفراد الطاقم القبرصي المعني بشؤون المراسم والبروتوكولات.
ولكن الحرارة المنخفضة مناخياً، قابلتها حرارة مرتفعة في جدول أعمال الرئيس بري الذي ناقش مع رئيس الجمهورية القبرصي ديمترس خريستوفياس ورئيس مجلس النواب يناكس أوميرو ملفين شديدي الحساسية والحيوية، الأول، يتعلق بمعالجة تداعيات الاتفاق القبرصي ـ الإسرائيلي على الحدود البحرية والحقوق الوطنية العائدة إلى لبنان، والثاني، يتصل بجس نبض القبارصة حول إمكان شرائهم مياها عذبة تتدفق من ينابيع موجودة في قعر البحر المتوسط، قبالة السواحل اللبنانية.
وعُلم أن بري ركّز على ضرورة صون حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة، داعياً القبارصة إلى إعادة النظر في بعض نقاط الاتفاق الموقع مع الإسرائيليين والذي جاء في جانب منه على حساب مساحات بحرية يُفترض أن تكون ضمن السيادة اللبنانية (850 كلم2)، كما شدّد بري على ضرورة تعزيز التنسيق بين الوزارات المختصة في البلدين لتسريع الخطى نحو التفاهم على كل النقاط العالقة.
وقد أبدى الرئيس القبرصي تفهماً لوجهة نظر بري، مؤكداً الاستعداد لمراعاة المصالح اللبنانية، والتعاون التام من أجل إنجاز الاتفاق الثنائي بصيغته النهائية، وأكد لبري انه اعطى تعليماته وتوجيهاته من اجل «تسهيل انجاز الاتفاقية بين البلدين»، منوها بـ«العلاقة والصداقة التي تربط بين لبنان وقبرص».

وطرح بري خلال لقاءاته مسألة المياه العذبة التي يملكها لبنان في بحره، مشيراً إلى إمكان بيع كميات كبرى منها لقبرص عن طريق أنابيب تمتد تحت المياه، ما أثار اهتمام الرئيس القبرصي الذي أعرب عن الاستعداد لدرس هذا العرض والتعامل معه إيجاباً.
وقد فاجأ عرض بري وزيرة التجارة والاقتصاد التي لم تكن على علم بهذا المعطى المائي اللبناني، مشيرة إلى أنه يستحق الدرس. وخلال هذا الاجتماع شرح بري والوفد المرافق بالخرائط والمستندات حدود لبنان البحرية وحقوقه النفطية، ما ساهم في إزالة بعض الالتباسات لدى القبارصة.
وبحث بري في الوضع العام السائد في المنطقة مع الرئيس القبرصي الذي اعتبر ان الديموقراطية «يجب ان تكون صناعة محلية»، وهذا ما وافقه عليه بري الذي شدد على رفض إعطاء وَصَفات جاهزة للشعوب.
وكان لافتاً للانتباه أن الرئيس خريستوفياس استهل اللقاء مع الرئيس بري بسرد حادثة ظريفة حصلت معه خلال إحدى سفراته، وبطلها فنجان من القهوة التركية، كان كفيلاً بتحريك العصبية القبرصية لديه.
يبقى، أن ملفي النفط والمياه، على «ثقلهما»، لم يحجبا اهتمام بري وأعضاء الوفد المرافق بمتابعة أخبار مباراة كرة القدم بين منتخبي لبنان والإمارات والتي كانت نتائجها تصل تباعاً إلى نيقوسيا عبر الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة.
وأجرى بري ونظيره القبرصي محادثات تناولت تطوير العلاقات بين البلدين وتعزيز التعاون بين المجلسين، في حضور عدد من اعضاء البرلمان القبرصي.

وبعد الاجتماع، عقد بري واوميرو مؤتمرا صحافيا مشتركا، وقال بري إن هناك ثلاثة اهداف لزيارته، أولها، هو الاجابة على السؤال التالي: ما الذي يمنع أن تكون قبرص وهي دولة أوروبية بوابة للعرب عبر لبنان الى اوروبا، وان يكون لبنان في المقابل بوابة قبرص واوروبا الى العرب لا سيما أن هناك اتفاقا أصلا بين لبنان وقبرص على أن ما يحصل في العالم العربي يجب ان يترك لأهله من دون اي تدخل اجنبي؟
اضاف: الهدف الثاني الأهم للمستقبل وهو موضوع المياه. إن لبنان زاخر بالمياه العذبة التي تحتاجها قبرص وهذا ليس بعيدا عن الحدود القبرصية اللبنانية ـ البحرية وهي موجودة في البحر ويمكن ان تجر الى قبرص لتلبية هذه الحاجة، اما الهدف الثالث، فهو النفط والغاز الموجود في البحر، وقال «المشكلة ليست بين لبنان وقبرص بل بين لبنان واسرائيل، ونحن كل الذي نخشاه ان تستغل اسرائيل الحساسية المتوترة بالنسبة لموضوع تركيا لكي تستفيد بالدخول على هذا الخط وتحرم لبنان من حقه بأكثر من 850 كيلومترا مربعا بحريا. وختم مؤكدا أن لبنان مع وحدة قبرص.
ثم استقبل بري في مقر اقامته في فندق «هيلتون» وزير التجارة والصناعة والسياحة القبرصية براكونا انترنيادو كيرياكو.
وكان بري وصل إلى مطار لارنكا مع الوفد المرافق الذي ضم: د.محمود بري، المدير العام للإدارة في الجيش اللواء عبد الرحمن شحيتلي، الامين العام للشؤون الخارجية في المجلس النيابي بلال شرارة، المدير العام لشؤون الرئاسة علي حمد، المستشار الإعلامي علي حمدان ورئيس مصلحة الاعلام محمد بلوط ووفدا اعلاميا.  

السابق
مذكرة وجاهية بتوقيف قاتل الصيرفي الناتوت
التالي
تكريم الرئيس سليم الحص في صور