معركة كسر العظم

عندما ينتفض وزير الخارجية السعودي في مؤتمر تونس ويقول "إن ما يحدث في سوريا مأساة خطيرة لا يمكن السكوت عنها، أو التهاون في شأنها، والنظام السوري فقد شرعيته وبات أشبه بسلطة احتلال"، فهذا معناه ان المملكة حسمت امرها في الشأن السوري وقررت المضي حتى النهاية في سعيها الى اسقاط النظام في دمشق.
وعندما يتحدث العاهل السعودي مع الرئيس الروسي عن نفاد جدوى "الحوار"، فهذا يفسر أن المملكة اختارت طريقاً جديداً في التعامل مع المعضلة السورية وتالياً مع حليفتها روسيا التي توفر لها الحماية السياسية وربما ما هو اكثر. ومعنى الكلام أن دول الخليج لم تعد في وارد "اغراء" روسيا كي تغيّر مواقفها وإنما أخذت في اعتبارها إمكان المواجهة معها. فإطاحة النظام السوري باتت قراراً لا عودة عنه، وعلى روسيا أن تقرر ما تراه في مصلحتها، بحسب تفكير الخليجيين الذين يرون أن الروس خاسرون في هذا الصراع لأنهم يراهنون على نظام في طريقه إلى الزوال.
ولا شك في ان المخاطبة الخليجية لروسيا بهذه اللهجة الحادة، هي رد واضح ليس فقط على "الفيتو المزدوج" الذي رفعته موسكو وبيجينغ في وجه الجميع في مجلس الامن، بل على سعي روسيا أولاً ومن ثم الصين بموقفهما الى الحؤول دون صوغ نظام اقليمي جديد بات واضحا ان واشنطن والغرب يخططان له بعد "تفجر" الربيع العربي، رأس حربته ممالك الخليج ومشيخاته وعماده الفعلي تركيا. ومثل هذه المخاطبة لموسكو، ثمة مخاطبة خليجية أقدم وأشد حدّة لطهران التي تزعج بطموحاتها ليس فقط النووية بل أيضاً "العربية" من العراق حتى لبنان.
انهيار النظام السوري يعني ان الجسر الايراني الى قلب الشرق الاوسط انهار أيضاً، وان رأس الجسر الروسي على الضفة الغربية للمتوسط صار في خبر كان، وتالياً فان انقلاب المشهد القائم الآن في المنطقة يصير حتمياً ويمكن عندئذ الحديث عن شرق اوسط جديد جرى الحديث عنه من زمان.
اما اذا بقي النظام القائم في دمشق واستمر، فمعنى ذلك مشهداً آخر سيرتسم في الشرق الاوسط، وعندها لن يكون انتقام الحلف المؤيد لهذا النظام من هذا الهجوم الخليجي اللافت على سوريا، بالوكالة بل في قلب الخليج حيث الارض خصبة من البحرين الى القطيف الى جيزان.
وهكذا يوماً بعد يوم، لن يعود في امكان اللاعبين المباشرين الخسارة فيذهبون بخيارات الحسم حتى النهاية. ويمكن للصراع الدائر حالياً ان يصير معركة كسر عظم لا تنتهي الا بفوز احدهم بالضربة القاضية، الا اذا اطلق الحكم الاميركي صفارة وقف المباراة قبل موعد النهاية لأسباب "فنية" ومصالح خفية.  

السابق
ماذا تفعل طائرات التجسس فوق سوريا؟
التالي
مجدلاني: لن نوافق على أي ديباجة من بري لا تضمن حلاً للـ11 مليار دولار