جهوزية..رغم سيناريوهات المؤامرة

استحقاق الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد للجمهورية العربية السورية، شكل محطة ونقلة نوعية في الحياة السياسية في سورية، باعتبار أن غالبية الشعب السوري تؤمن بالحركة الإصلاحية التي يقودها الرئيس بشار الأسد منذ تسلمه مسؤولية القيادة، بغض النظر عن الظروف والمعطيات والتطورات التي رافقت توجهاته، والتي حالت بصورة مباشرة دون تنفيذ تلك الإصلاحات، حيث بات واضحاً للشعب السوري أن عوامل التأخير بدأت مع الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثم اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، مروراً بالعدوان "الإسرائيلي" على لبنان في العام 2006، وصولاً إلى العدوان "الإسرائيلي" على غزة في العام 2008.

وجملة الإصلاحات الدستورية والاقتصادية والسياسية والحزبية والإعلامية، بالإضافة إلى مؤتمرات الحوار التي شهدتها جميع المحافظات السورية، توجت كلها بإعداد دستور جديد لسورية، لأنه المنطلق الحقيقي والجدي لعملية الإصلاح، وأهمية كل هذه الإصلاحات، أنها لم تحصل نتيجة ضغوطات خارجية على الرغم من حجم المؤامرة الدولية والإقليمية والعربية على سورية، خصوصاً وأن الشعب السوري بكل شرائحه أصبح يملك من الوعي السياسي ما يمكّنه من كشف زيف الادعاءات الغربية والأميركية والعربية حول مطالبتهم بالإصلاح، لأنه أصبح واجهة فقط لتنفيذ المخطط التآمري على سورية، بدليل أن أحداً لم يعد يسمع المطالبة بالإصلاحات الدستورية والتعددية السياسية والحزبية وحرية الإعلام والأفراد، لأنهم عندما علموا أن الرئيس الأسد مقتنع تماماً بالعملية الإصلاحية، منذ توليه السلطة في سورية، كشفوا عن حقيقة نواياهم ومخططاتهم، وما يحصل من تسليح وتمويل للعصابات الإرهابية والتكفيرية، وباعتراف بعض الأطراف العربية والغربية والأميركية، دليل واضح على أن المشكلة لا تكمن في عدم تلبية النظام في سورية للمطالب الشعبية المحقة، ولكن جوهر وخلفية مواقف تلك الأطراف تنحصر في تفتيت سورية وتقسيمها وإبقاء الفوضى آخذة مداها لإلهاء الجيش السوري بهدف استنزافه، وتحييد سورية عن منظومة المقاومة والممانعة، وفك تحالفها مع الجمهورية الإسلامية في إيران.

كل ذلك يختصر بكلمة واحدة، وهي أن الهدف الحقيقي لجميع هؤلاء هو حماية "إسرائيل" وجعلها الدولة الوحيدة في المنطقة المهيمنة سياسياً وعسكرياً وإعلامياً واقتصادياً، ومسخ القضية الفلسطينية على قياس قيادات مشبوهة ومرتهنة للعدو الصهيوني، التي تتحمل حالياً مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.  وترى مصادر دبلوماسية، أن الأتراك والقطريين والسعوديين حاولوا أكثر من مرة استيعاب الرئيس بشار الأسد، في أكثر من ملف حساس على علاقة بمستقبل المنطقة، ولكنهم عندما فشلوا في عملية الاستيعاب هذه، ارتدّوا على الرئيس الأسد وتآمروا مع الأميركيين والأوروبيين، في محاولة لإسقاط النظام، ولم يدّخروا جهداً أو وسيلة إلا واستعملوها من أجل تحقيق هدف إسقاط الرئيس الأسد، وترك مصير سورية لأشباه الرجال، أمثال الشخصيات المنضوية تحت اسم ما يسمى مجلس "اسطنبول" ويبدو من التطورات الأخيرة أن الدور السعودي في العمل ضد سورية أصبح في الواجهة، بعد أن كان القطري متقدماً على الدور السعودي. وذلك انطلاقاً من إعطاء الإدارة الأميركية الدور السعودي زخماً، من خلال التعاون والتنسيق واحتضان حركة الإخوان المسلمين والسلفيين، في العالم العربي.

وقد كشف المصدر الدبلوماسي بأن الأميركيين ليسوا في وارد التدخل مباشرة في أحداث المنطقة، خصوصاً بعد خروجهم من العراق، حتى في أفغانستان فهم يبحثون عن حلول تؤمن لهم خروجاً مشرفاً، يحفظ لهم ماء الوجه، وذلك من خلال مفاوضات تجري مع ممثلين عن حركة طالبان بدعم قطري ـ سعودي، مقابل عدم التدخل الأميركي المباشر، حيث يوجد للاستخبارات الأميركية ما يقارب الـ150 ألف متدرب من جنسيات مختلفة في منطقة الخليج العربي، وعندما يريد الأميركيون إحداث فوضى في دولة ما في المنطقة يرسلون مجموعات من هؤلاء إلى تلك الدولة المستهدفة، وهم يحاولون الآن استعمال مثل هذه المجموعات، وإدخالها إلى سورية، بهدف نشر الفوضى في أكثر من محافظة فيها.

ويؤكد المصدر الدبلوماسي بأن الدولة السورية قوية أكثر مما يتوهم البعض، وأما الجيش السوري فهو متماسك إلى أبعد الحدود، ولأن الوضع القائم هو على هذه الصورة، فإن القيادة في سورية لديها قرار حاسم لناحية عدم القبول بأي منطقة تسيطر عليها مجموعات مسلحة، مهما كان الثمن، والقيادة لن تقبل أيضاً بأي تدخل عسكري تحت أي ذريعة أو حجة سواء كانت إنسانية أو ممرات آمنة أو حظراً جوياً فهي ستتصدى بكل قوة وعزم لمثل هذه المحاولات، مع عدم استبعاد القيادة في سورية لأي سيناريوهات قد يكون يخطط لها أعداء سورية من الغرب والعرب وتركيا، وهي دائماً مستعدة لجميع الاحتمالات.
 

السابق
الطقس: غائم جزئيّ في الصباح، مع اشتدادٍ تدريجي في سرعة الرياح وارتفاع في الحرارة
التالي
الكتيبة الإيطالية تتبرّع بالدّم في شمع