مؤتمر العار في تونس

اجتمع عتاة العرب منذ أيامٍ، من «خليجيين وجامعة دول عربية» في تونس، برعايةٍ أميركية ـ فرنسية ـ تركية، وحضور منظّري هذه الدول، كي يتفقوا على نحر سورية ومصادرة قرارها عربي الصميم، وإرادتها القوية في الصمود في وجه العدو الصهيوني، ولم يكن في ظنّهم أن الشعب العربي التونسي سيخرج إليهم معترضاً على أفعالهم المؤامراتية، مؤيداً بشجاعة سورية قلب العروبة النابض، وخطّ الدفاع العروبي الأخير في المنطقة العربية.

في المقلب الآخر كانت سورية هادئة، على الرغم من الصخب الجماهيري الذي لبّى الدعوة إلى تجسيد العملية الديمقراطية في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، في مشهدٍ رائعٍ اعتاد هذا الشعب الأبي أن ينقله إلينا لدى كل استحقاق، كيف لا، وهذا الاستفتاء سيؤسّس لديمقراطية نابعة من تاريخ سورية النضالي، وسيقول لكل المغرضين المتربصين بشام الأصالة، أن إرادة الشعب لا تقف في وجهها المؤامرات، ولا تحدّ من حريته مؤتمرات، ولا تحبط من عزيمته انحدارات الخونة.

إن اجتماع العار في تونس الذي استبقته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالتصريح: «… إن المعارضة السورية ستصبح مؤهلة بصورة متزايدة، وستجد الوسائل للبدء بإجراءات هجومية». أضف إلى ذلك موقفها في المؤتمر الداعي إلى تأييد الحلّ السياسي، الذي أزعج الوفد السعودي المتهيئ لأخذ الموافقة على المواجهة العسكرية العلنية في سورية، والوفد القطري المطالب بقوّات سلام عربية وإقامة ممرّات إنسانية آمنة، أثبت فشل مؤتمر «أعداء سورية» المتخبطين في مشاكلهم الداخلية وما أكثرها.
لكن ما يدفعنا إلى التساؤل حيال هذه الهجمة المؤامراتية القوية على سورية، المغلّفة بعناوين: «وقف العنف، وأصدقاء سورية، وإيصال المساعدات عبر الممرّات الإنسانية»، والتي انقلبت فوراً إلى مجموعة من الاقتراحات التي تشدّد على الحظر الجوّي والعقوبات الاقتصادية، واستمرار الحملات الإعلامية المنظّمة والمضلّلة، مدفوعة الأثمان، وتعبئة الضغط الدبلوماسي، وضخّ المال والسلاح لتدعيم صمود المجموعات الإرهابية، وما يسمى بـ«جيش سورية الحر».. إلخ، هذا ما صدر عن مؤتمر تونس الخرافي، إنه أثبت عدم جدواه بالضغط المستمر بمختلف الوسائل على سورية الدولة القادرة المقتدرة، المؤمنة بحكمة قائدها وصلابة شعبها وإيمانه الوطني، وقوّة جيشها العقائدي الصامد. لهذا خرج أولئك المرتزقة وأسيادهم من تونس الرافضة لهم، من المؤتمر المذكور، بخفّيْ حنين.

هذه العاطفة "المفلوشة" على عقول أولئك الحكام العرب المنصاعين للإملاءات الغربية وصقور المحافظين الجدد في القيادة الأميركية، تجاهلت ما حصل بالأمس في حرم المسجد الأقصى، من هجوم رجال الأمن الصهيوني على المصلّين الفلسطينيين لمنعهم من أداء صلاة الجمعة، وهم ذاتهم، لم يحرّكوا ساكناً أثناء اجتماعهم المذّل في تونس، حيث لم نسمعهم يرفعون الصوت علناً، اعتراضاً على حرق المصاحف من قبل الجيش الأميركي المتواجد بل المحتل في أفغانستان. إلى جانب أنهم تجاهلوا تهديد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو لدولة عربية عبر التصريح: «إنه سيقوم بضرب لبنان، لأنه لا يعترف بوجود دولة بهذا الأسم في خريطة العالم الجديدة». هنا نسأل كلّ المنظرّين والمحلّلين والمثقّفين القادرين على تسطير بيانات الذلّ والعار ضدّ سورية، ترى، ما هو موقف نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وما هو موقفكم الوطني والقومي، مما جرى ويجري من غطرسة الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها؟ القائم على هتك كرامة هذا العالم العربي وحريته وسيادته واستقلاله؟ إننا ننتظر الجواب!

والجواب هو: إن هذا التدخل السافر الذي تعتمده الولايات المتحدة الأميركية بشكل غير مباشر أو مباشر، عبر أعوانها من المتآمرين العرب، لزعزعة استقرار الأنظمة غير المنصاعة لسياستها الأحادية ومنها سورية، لن يحقق توازن القوى، ولن يزيد الانشقاقات التي حلموا بها بين أفراد الجيش السوري المصمّم على القضاء على المتآمرين على سيادة سورية، ولا تفكيك الالتفاف الشعبي الكبير حول الرئيس بشار الأسد ، وعلى الدستور الجديد الذي شهدت سورية أمس تدفق جماهير الشعب السوري المؤيد بالثقة الكاملة بالقيادة والدولة، الذي سيشكل نقلة نوعية لسورية في العصر الحديث، حيث سيكون مستقبلاً نواة طريق ديمقراطي جديد يحتذى به في كلّ العالم العربي، وحتى الغربي القائم على حكم الحزبين، بينما سورية الجديدة، تسجّل عبر دستورها الجديد، بقوة إيمانها بالتعدّدية الحزبية، من منطلق احترام حرية التعبير والرأي الآخر، وطموحات الشباب التي ستصان بالشكل والمضمون والفعل والممارسة، التي ستظهر قريباً على الساحة السورية، لتشكّل النموذج الحضاري المشرق لتطوّر العرب.   

السابق
ورقة عمل لمنظمة “كفى عنف واستغلال”
التالي
اليابان تبني مصعداً يصل إلى الفضاء!