العرب حين يثورون!

عام 1916 ثار العرب بزعامة الشريف حسين ضد حكم السلطنة العثمانية، وقاتلوا إلى جانب الإنكليز، إثر وعود تلقّاها زعيمهم آنذاك من السير مكماهون عبر رسائل فيها الكثير من الوعود البريطانية، التي كان أبرزها إقامة دولة عربية مستقلة على مساحة الوطن العربي (ليس فيها إسرائيل بالطبع) بزعامة الشريف حسين.

ولم يطل الأمر كثيرا حتى اكتشف العرب أنّهم تعرّضوا لأكبر خديعة في تاريخهم الحديث، وما كان من الدول العظمى إلا أنْ قسّمت المنطقة إلى مراكز نفوذ بريطانية – فرنسية بناء على اتفاقية «سايكس بيكو» الشهيرة، إثر مؤتمر الصلح في فرساي، وعاشت معظم الدول العربية الحديثة تحت استعمار جديد بمسمّى «الانتداب» واحتاج الأمر ربع قرن وأكثر حتى استطاعت كل دولة أنْ تنال استقلالها عن الانتداب، وكانت النتيجة خسارة فلسطين وتقسيم المنطقة ووضعها في صراعات داخلية وخارجية مدمرة.
اليوم يثور العرب على الدولة الحديثة التي جاء بها الانتداب، والمفارقة أنّ مجمل ثوراتهم تأتي برضى ورعاية تركية في ظل حكومة لديها حلم العودة إلى تراث السلطنة العثمانية، وهنا يبدو أنّ العرب يثورون بعد حوالى مئة سنة تقريبا، كي يعودوا إلى ما يشبه ما كانوا عليه يوم ثاروا على السلطنة.

والوعود الغربية التي يتم إغداقها عليهم الآن أشبه بوعود السير مكماهون الإنكليزي للشريف حسين، والخشية من أنّهم سيُصابون بخديعة كبرى قد تُفضي إلى تقسيم دولهم ومجتمعاتهم إلى مراكز نفوذ إقليمية – دولية ومجتمعات منقسمة على أساس الهويات الضيقة مذهبيا وإثنيا وجهويا وقبليا.
اندفاع الشعوب للخلاص والحرية مبرّر، لكن تكرار تجربة الانخداع بالتحريض الغربي والوعود الدولية يعبّر عن أنّنا شعوب بلا ذاكرة، خصوصا إذا كرّرنا التجربة ذاتها وجئنا بذات النتائج أيضا.   

السابق
التقسيم وارد
التالي
الحياة: بري يسعى إلى تسوية للإنفاق تنقذ الجلسة التشريعية وعون يعارض اللجنة وجنبلاط ضد غلبة أي فريق