السفير: الأسد في يوم الاستفتاء الحاد: نحن أقوى على أرض الواقع

أعلن الرئيس السوري بشار الأسد، خلال مشاركته في الاستفتاء على الدستور الجديد في دمشق امس، ان «الهجمة التي تتعرض لها سوريا هجمة إعلامية، ولكن الإعلام رغم أهميته لا يتفوق على الواقع ويمكن أن يكونوا أقوى في الفضاء لكننا أقوى على الأرض من الفضاء، ومع ذلك نريد أن نربح الأرض والفضاء».
في هذا الوقت، حذرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون من ان التدخل الاجنبي في سوريا «سيسرع من مخاطر اندلاع حرب اهلية»، مضيفة «لدينا مجموعة خطيرة جداً من العوامل في المنطقة: القاعدة وحماس وأولئك الذين على قائمتنا للإرهاب الذين يدّعون انهم يدعمون المعارضة. إذا جلبت اسلحة آلية، والتي ربما تستطيع تهريبها عبر الحدود، فما الذي ستفعله تلك الأسلحة أمام الدبابات والأسلحة الثقيلة؟».

وكشف وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو جانباً من كواليس المرحلة الحالية بعد مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تونس الجمعة الماضي، معتبراً أن الأسد وصل إلى النهاية، وأن سوريا ليست ملكه الشخصي. وقال «إن من أهم ما تقرر في تونس اعتبار المجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للسوريين. ونحن نريد أن يتمثل في المجلس الوطني السوري الأكراد والتركمان والدروز والعلويون».
وأدى فشل «المجلس الوطني» في الحصول على تعهد واضح من المشاركين في «مؤتمر أصدقاء سوريا» في تونس يتبنى الخيار العسكري، أو أي إجراء قهري يلزم النظام السوري بفتح معابر إنسانية والاعتراف بحصريته في تمثيل الشعب السوري، أو المعارضة، الى انقسامات عميقة كانت تتعايش تحت سقف «المجلس الوطني». وتفاوتت نتائج الإخفاق في تونس على بنية المجلس بين من فضل الاستقالة من عضويته، ومن فضل البقاء فيه ولكن ضمن تشكيلات جديدة. وأعلن المحامي نجاتي طيارة، استقالته من المجلس في رسالة وجهها إلى المكتب التنفيذي، «لأنه لم يحقق أي تقدم ملموس لوقف حمام الدم تجاه شعبنا السوري، وعدم ارتقاء المعارضة بأطرافها كافة، إلى مستوى الحدث وفشلي الشخصي والمجلس في ثني الإمارات عن قرارها إبعاد مواطنين سوريين بسبب تظاهراتهم ضد النظام السوري». وهاجمت رسالة استقالة بعث بها سبعة أعضاء، طريقة رئيس المجلس برهان غليون في إدارته. وأقدم 19 عضواً في تونس، على الإعلان عن تشكيل مجموعة العمل الوطني السوري، وإقامة مكاتب عمل موازية لمؤسسات المجلس الوطني، على الرغم من بقائها داخل المجلس.

الاستفتاء على الدستور
وشارك عدد كبير من السوريين أمس في الاستفتاء الحاد على أول مشروع دستوري للبلاد منذ أربعة عقود، فيما قاطعه آخرون، وامتنع البعض بقوة السلاح عن الخروج، وفقاً لما ذكرته وسائل الإعلام السورية، مشيرة بصراحة إلى أن مدينة إدلب لم تشارك في الاستفتاء، فيما اقتصر وجود بعض المراكز على ريفها، وذلك في الوقت الذي شهدت فيه مناطق في سوريا إقبالاً كثيفاً وشهدت أخرى مواجهات نارية، كما في حماه، أعاقت سير العملية بشكل طبيعي. وفي حمص، المنقسمة ايضاً بين مناطق هادئة وأخرى ملتهبة، استفتى سوريون وقاطع الباقون.
ومنذ السابعة صباحاً كان يمكن تسجيل وجود إقبال في مراكز دمشق، ولا سيما في وسطها، حيث تزيد الكثافة السكانية، كما يتواجد الموظفون الحكوميون. وقد شهدت غالبية مراكز دمشق إقبالاً ملحوظاً في النهار ما لبث أن خف في المساء. وأعلنت السلطات السورية تمديد التصويت في عدد من المحافظات حتى الساعة العاشرة مساءً، بعد ان كان يجب اقفال الصناديق عند السابعة. ويبلغ عدد الناخبين 14 مليوناً ممن تجاوزت اعمارهم 18 عاماً.
وصوّت الأسد وعقيلته اسماء في مبنى التلفزيون السوري في حدود التاسعة والنصف صباحاً. وهي الزيارة الأولى لرئيس سوري الى مبنى التلفزيون منذ عقود، وفهم منها تقدير رئاسي للجهود التي يبذلها الإعلام الحكومي، في ما تجده القيادة السورية حملة إعلامية شرسة ضدها.
وأظهرت الصور الأسد مبتسماً الى جانب زوجته التي كانت ترتدي زياً اسود اللون، ولوحت بيدها اكثر من مرة للمتجمعين الذين كانوا يتدافعون من حولهما ويهتفون «الله، سوريا، بشار وبس». ودخل الزوجان وراء الستار سوياً، ثم خرجا باسمين، وأسقطا ورقتيهما في الصندوق.
وبالفعل أثنى الأسد، بعد مشاركته في التصويت على الاستفتاء، على أداء العاملين في التلفزيون الحكومي. وقال، وهو ينزل درج بناء التلفزيون في ساحة الأمويين، إن «الإعلام السوري يقوم بجهود كبيرة جداً ونحن نتابع التطور الذي قام به التلفزيون العربي السوري والإعلام السوري بشكل عام، ولكن دائماً تأتي مقارنات، حيث يقارنون الإعلام السوري الذي هو الإعلام الرسمي بشكل أساسي بالإعلام غير الرسمي في الدول الأخرى، ولكن هذه المقارنة غير دقيقة وغير موضوعية ولا تجوز».  وأضاف إن «الإعلام الرسمي يقارن بإعلام رسمي في دول أخرى، لأن أهداف ومهام الإعلام الرسمي تختلف عن أهداف ومهام الإعلام الخاص، ولو قارنا الإعلام الرسمي السوري الآن بالإعلام الرسمي في المنطقة فأعتقد أنه الأفضل، ولكن مع ذلك لا يهمنا أن نقارن أنفسنا بمن هو أقل وسنبقى نقارن أنفسنا بمن هو أفضل». وتابع إن «الهجمة التي تتعرض لها سوريا هجمة إعلامية، ولكن الإعلام رغم أهميته لا يتفوق على الواقع، ويمكن أن يكونوا أقوى في الفضاء لكننا أقوى على الأرض من الفضاء، ومع ذلك نريد أن نربح الأرض والفضاء».
من جانبه، اقترع رئيس مجلس الوزراء عادل سفر في مبنى المجلس، واصفاً الاستفتاء بأنه «منعطف تاريخي واستجابة لحياة المواطنين وحاجة ملحة للتعددية السياسية وضمان الديموقراطية والحرية». واعتبر أن «هذا الدستور نقلة نوعية في حياة سوريا، وهو تحد كبير أمام الأحزاب السياسية المؤسسة حديثاً في سوريا لممارسة الديموقراطية بشكلها الحقيقي».

ورداً على الانتقادات التي وجهت إلى مشروع الدستور وخاصة المادة الثالثة المتعلقة بدين رئيس الجمهورية، قال سفر «هناك جدل حول هذه المادة بالذات، وفي الظروف الحالية ليس من المناسب الحديث عنها».
من جهته، اقترع وزير الخارجية وليد المعلم في مقر وزارته معتبراً أن «مشروع الدستور الجديد سينقل سوريا إلى مرحلة جديدة ، تخرج سوريا أقوى بكثير مما كانت». وقال «هذا يوم تاريخي في حياة الشعب السوري الذي يراهن على صموده وتماسكه، فاستحق هذا الدستور الذي ينقل سوريا إلى مرحلة التعددية السياسية والى مرحلة ديموقراطية».
ورفض المعلم التعليق على انتقادات المعارضة السورية لمشروع الدستور، قائلاً «لا أريد أن أعلق على مواقف المعارضة. هي ليست على صلة بمصالح الشعب السوري، وهذا الإقبال من قبل المواطنين مؤشر على وعي تام بمصالحه وأهدافه». وانتقد «تدخل» دول الغرب في شؤون سوريا، قائلاً «عليهم أن يعالجوا همومهم الداخلية ويتركوا سوريا. نقول لهم من يرد مصلحة الشعب السوري لا يفرض عليه عقوبات».

من جهته، قلل الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي محمد سعيد بخيتان من تأثير إلغاء المادة الثامنة من الدستور على مكانة البعث في الدولة، قائلاً «إن حزب البعث العربي الاشتراكي حركة متجذرة بين الجماهير وفي التاريخ ولن يكون لإلغاء المادة الثامنة في الدستور الحالي تأثير على دوره ونشاطه في الحراك السياسي السوري». وأضاف «إن اللجنة المركزية في حزب البعث وضعت خطة عمل منذ العام الماضي حول دور الحزب في الحياة السياسية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية بعد إلغاء المادة الثامنة من الدستور الحالي، والتي أسست للجبهة الوطنية التقدمية كائتلاف سياسي تنضوي تحته أحزاب عريقة لها حضور سياسي وجماهيري في الشارع السوري»، معتبراً أن «مشروع الدستور الجديد يعد أساساً للإصلاحات الجارية في سوريا والمحور الأساسي فيها على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
وشهدت دمشق إقبالاً جيداً، حيث ذكر أحد أعضاء لجنة التصويت في مركز مؤسسة الوحدة في كفرسوسة أن صندوقين على الأقل امتلآ مع حلول نصف نهار أمس (الصندوق يتسع لـ1200 بطاقة تقريباً)، فيما تلقت مراكز في المزة منذ ساعات الصباح مئات الأصوات، وشهدت مناطق في ريف دمشق إقبالاً ضعيفاً عموماً، وذلك في المناطق التي ضمت صناديق اقتراع. وقال شهود عيان إنه في الوقت الذي احتاجت ضاحية مساكن حرستا صناديق إضافية لتلبية حاجة المقترعين، اقتصر الحضور في مناطق في قدسيا على المئات.

وجرت على هامش الاستفتاء في كل من حلب ودمشق، تجمعات موالية في كل من ساحة السبع بحرات في دمشق وساحة سعد الله الجابري في حلب.
من جهتها، لم تشهد إدلب حالة مشابهة. ووفقاً لموقع «شوكوماكو» المقرب من السلطات فإن «مسلحين حرموا إدلب من استفتائها!»، مشيراً الى أن «انتشاراً مكثفاً للمسلحين، مدعومين بقناصة تمركزوا على أسطح الأبنية، منع الناس من الخروج للإدلاء بأصواتهم. وانتشرت تهديدات بقتل كل من يدلي برأيه في إدلب المدينة ومناطق معرة النعمان وخان شيخون وأريحا»، موضحاً «أن انتشار المسلحين أعاق أيضاً وصول صناديق الاقتراع إلى هذه المناطق، الأمر الذي جعلها خارج العملية الديموقراطية التي تشهدها كافة المناطق السورية. واقتصر الاستفتاء على منطقة جسر الشغور وسلقين وحارم التي شهدت إقبالاً معقولاً على مراكز التصويت».
كما سمحت السلطات السورية بإجراء الاستفتاء على الحدود السورية – اللبنانية – والسورية – العراقية، في الوقت الذي شهدت درعا القـــريبة من الحـدود الأردنية اشتباكات بين الجيش ومسلحين. وشهد مركز الحدود اللبنانية – السورية إقبالاً ملحوظاً، لمواطنين سوريين مقيمين في لبنان. وأقيمت المراكز الحدودية بسبب عدم تخصيص الحكومة السورية سفاراتها في الخارج للتصويت بسبب الأوضاع الأمنية.
وشهدت منطقة المصنع الحدودية عبور سيارات و«فانات» تحمل لوحات لبنانية تقل مواطنين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور السوري من خلال التصويت في مركز أقيم عند جديدة يابوس، النقطة الحدودية السورية المقابلة لنقطة المصنع الحدودية. وعبرت هذه السيارات و«الفانات» نقطة المصنع في ظل إجراءات امنية اتخذها الجيش اللبناني على امتداد الطريق من ضهر البيدر حتى نقطة المصنع الحدودية.
كلينتون
وحثت رويترز كلينتون، امس، عناصر الجيش السوري الى «تغليب مصلحة البلاد» على الدفاع عن نظام الأسد، مضيفة «نعتقد ان الدائرة التي تحيط بالأسد قلقة من الهجمات الوحشية الجارية». ورأت ان النقاط الثلاث التي يتعين ان تشكل استراتيجية المجتمع الدولي حيال سوريا تكمن في «مساعدة إنسانية عاجلة للمدنيين، وزيادة الضغوط على نظام الأسد، والمساعدة على الإعداد لعملية انتقالية».
وقالت كلينتون، في حديث الى شبكة «سي ان ان» الاميركية، «لدينا اتصالات كثيرة مع اشخاص في الحكم وفي أوساط الأعمال وبين الأقليات، ورسالتنا الى الجميع واحدة، لا يمكنكم ان تستمروا في دعم هذا النظام غير الشرعي، لأنه سيسقط».
وقالت كلينتون، في مقابلة مع شبكة «بي بي سي» في الرباط، «اعتقد ان كل مخاطر اندلاع حرب اهلية (في سوريا) قائمة. التدخل الاجنبي لن يمنع ذلك، حتى انه سيعجل به على الأرجح». وأضافت «لدينا مجموعة خطيرة جدا من العوامل في المنطقة: القاعدة وحماس وأولئك الذين على قائمتنا للارهاب الذين يدّعون انهم يدعمون المعارضة. الكثير من السوريين يشعرون بالقلق بشأن ما قد يحدث لاحقاً. اذا جلبت اسلحة آلية، والتي ربما تستطيع تهريبها عبر الحدود، فما الذي ستفعله تلك الاسلحة امام الدبابات والاسلحة الثقيلة؟». وكان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل اعتبر الجمعة الماضي ان عملية تسليح المعارضة السورية «فكرة ممتازة».
وتابعت «هناك الكثير من السيناريوهات السيئة التي نحاول استباقها، ونحاول تشجيع عملية انتقالية ديموقراطية». وقالت «هناك معارضة قوية جداً ضد التدخل الاجنبي، داخل سوريا وخارجها». وذكرت «بأننا لا نملك موافقة مجلس الأمن الدولي التي تعطي الشرعية والمصداقية لقرارات المجتمع الدولي».
وانتقدت كلينتون الاستفتاء، معتبرة «انه مزيف، وسيستخدمه الأسد من اجل تبرير ما يقوم به ضد المواطنين السوريين».
وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله، في بيان، ان الاستفتاء «مهزلة ليس إلا». وأضاف «الاصوات الزائفة لا يمكن ان تساهم في حل الازمة. الأسد يحتاج إلى وضع نهاية للعنف وتمهيد الطريق امام انتقال سياسي».
وقال «المجلس الوطني السوري»، في بيان موجه الى الطائفة العلوية، «كان العلويون ولا يزالون جزءاً مهماً من الشعب السوري، وسيظلون يتمتعون بحقوقهم التي يتمتع بها جميع ابناء الوطن الواحد من مسيحيين ومسلمين وباقي ابناء الطوائف الأخرى». وأضاف «لن ينجح النظام في دفعنا الى قتال بعضنا البعض. اننا مصممون على التكاتف والوحدة الأهلية، وأولى بوادر هذه الوحدة هي مد يدنا الى اخوتنا العلويين، لنبني سوريا دولة المواطنة والقانون».
الى ذلك، تبدأ في جنيف اليوم الدورة السنوية لمجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان الذي اعرب عن رغبته في ممارسة مزيد من الضغوط على النظام السوري. وسيشارك حوالى 90 وزيراً ومسؤولا كبيرا في الدورة، بينهم وزراء الخارجية الفرنسي والالماني والاسباني والمصري والايراني، ورئيس الوزراء الليبي.  

السابق
استهداف بعض السفارات
التالي
الطقس: قليل من الغيوم مع ارتفاع درجات الحرارة وبداية تساقط امطار ليل الثلاثاء