الراي: الحكومة اللبنانية العائدة إلى الاجتماع تسير في حقل ألغام

فيما يعاود مجلس الوزراء اللبناني اليوم عقد جلساته بعد تعليقها بفعل الأزمة الأخيرة بين عدد من مكوّنات الحكومة، تبدو التجربة الحكومية الجديدة محفوفة بمجموعة محاذير ستضع مجمل أطرافها امام محك النجاح او الاخفاق في التمديد بعمر الحكومة وتطويله حتى الانتخابات النيابية المقبلة وفق ما يطمح اليه معظمهم.
واستناداً الى المعطيات التي أسفرت عنها الأزمة الحكومية والمخارج التي ادت الى إنهائها يمكن إبراز المحاذير الاساسية التي سيتعيّن على الحكومة مواجهتها بالنقاط الآتية:

اولاً: يشكل ملف التعيينات الادارية «اللغم» المحتمل الرئيسي الذي ستُختبر عبره متانة التفاهمات التي عقدت بين ثلاثة أطراف اساسيين هم رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون بوساطة رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي ادت الى إنهاء أزمة تعليق جلسات مجلس الوزراء. فهذا الملف كان أساساً سبب الازمة، وجرى تعليق الجلسات عقب انفجار الخلاف عليه بين ميقاتي والفريق الوزاري لعون وإن كانت واجهة الأزمة التي تصدّرت الحدَث تركزت على موضوع ملف بدل النقل للاجور واستقالة الوزير السابق للعمل شربل نحاس لرفضه توقيع المرسوم المتعلّق به رغم إقراره في مجلس الوزراء. واذا كان ثمة مَن يتحدث عن ملامسة ملف التعيينات في المفاوضات التي قادها بري، فان المرحلة الآتية ستكشف الى اي مدى بات ممكناً تجاوُز الخلافات العميقة والحساسيات بل حتى أجواء «العداوة» التي تحكمت بعلاقة كل من سليمان وميقاتي بعون عقب هذه الأزمة.

ثانياً: يعود الملف المالي الى الاولويات من الباب العريض في ظل تطورين اساسيين هما حتمية عرض النسخة المعدلة الجديدة لموازنة سنة 2012 بعدما وضع رئيس الحكومة رؤية جديدة لها يعمل وزير المال محمد الصفدي على إنجازها لطرحها في وقت قريب على مجلس الوزراء، وكذلك بتّ الخلاف على ملف الإنفاق الحكومي من خارج الموازنة والقاعدة الاثني عشرية الذي تَسبب بنسف جلسة مجلس النواب الاخيرة وإرجائها الى الخامس من مارس المقبل. وفيما يُنتظر ان يبلور اجتماع هيئة مجلس النواب ورؤساء اللجان النيابية اليوم برئاسة بري الوُجهة التي ستسلكها معالجة هذا الملف، تتحدّث الأوساط المعنية عن عقدتين لا تزالان تعترضان هذه المعالجة هما: اولاً إصرار فريق 14 آذار على وضع حلّ كامل غير مجتزأ للانفاق لحكومتيْ الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2009 والبالغ 11 مليار دولار والإنفاق العائد لحكومة الرئيس ميقاتي في سنة 2011 والبالغ 8900 مليار اي نحو 6 مليارات دولار. ثانيا تمسك العماد عون برفض فكرة تأليف لجنة نيابية – وزارية تأخذ على عاتقها معالجة ملف الـ 11 مليار دولار قبل انعقاد جلسة 5 مارس وهو ما يميل اليه الرئيس ميقاتي والنائب وليد جنبلاط الذي حال رفضه تغطية إنفاق حكومة ميقاتي حتى 31 ديسمبر 2011 من دون ان يتلازم ذلك مع تغطية إنفاق الـ 11 مليار دولار دون تأمين الاكثرية نصاب الجلسة التشريعية حين بدأت مناقشة هذا العنوان. وتقول الاوساط ان بري ايضاً يفضل الوصول الى جلسة 5 مارس باتفاق مع المعارضة للشروع في معالجة هذا الملف، فيما يدفع عون مدعوماً ضمناً من «حزب الله» نحو عقد جلسة 5 مارس والتصويت على اقرار ملف الـ 8900 مليار من دون المعارضة مع حشد الاكثرية اللازمة للتصويت. ولكن الواضح ان بري يدرك ان كتلة جنبلاط التي تشكل بيضة القبان الاساسية في ترجيح الكفة في التصويت يغلب الاعتقاد ان لا تؤمن لقوى الاكثرية الصوت الراجح ما لم يتوصل الى حل كامل بالاتفاق مع المعارضة. 
ويبدو الزعيم الدرزي في موقفه هذا حريصاً على عدم تأمين مسوغ لاستفراد الرئيس سعد الحريري او الرئيس السنيورة، هو الذي يحاول اعادة وصل ما انقطع مع تيار «المستقبل» من جهة كما مع المملكة العربية السعودية التي تشير معلومات الى قرب فتح ابوابها امامه بعد اتصال «كسر الجليد» الذي أجراه قبل فترة الامير سعود الفيصل به. مع العلم ان جنبلاط اقترب من المملكة من خلال «القارب السوري» الذي تبدو الرياض في مقدم الدول العربية التي تتولى دفعه نحو شاطىء تنحي النظام «طوعاً او كرهاً» وهو ما يسير رئيس «جبهة النضال» فيه على «الموجة نفسها».

ثالثاً: الى الملفين السابقين ثمة ملف سياسي شديد الحساسية بدأ يرسم علامات استفهام كبيرة حول قدرة الاكثرية على الاستمرار بالحد الادنى الممكن، وهو الموقف من الأزمة السورية وتطوراتها. ذلك ان النائب جنبلاط في الخط التصعيدي المتدرج الذي يعتمده من النظام السوري ذهب ابعد بكثير من فريق 14 آذار نفسه. وهذا الموقف يتناقض بشدة مع مواقف اطراف 8 آذار وحتى مع مواقف حليفيْه الوسطييْن الرئيسين سليمان وميقاتي.
وتقول الاوساط المعنية انه رغم ما اثبتته الازمة الاخيرة من استمرار الحاجة الى تحالف الاكثرية انقاذاً لاستمرار الحكومة، فمن غير المستبعد ان تترك مواقف جنبلاط آثاراً عميقة قريباً على وضع الاكثرية الذي بدا في الاسبوع الماضي مضعضعاً وضعيفاً مع فقدان مجرد قدرتها على حشد العدد اللازم من النواب لتوفير النصاب للجلسة النيابية. ومعنى ذلك ان التباينات حول الملفات الداخلية والأزمة السورية ستتحدى إرادة المضي في الحكومة والحفاظ عليها، وقد لا يمرّ وقت طويل لظهور معالم هذه التجربة الجديدة في شقيْها الداخلي والسوري.
وكان لافتاً امس موقف للنائب أكرم شهيّب (من كتلة جنبلاط) اعلن فيه أنه «دُفع بالوزير شربل نحاس إلى الاستقالة كي يؤتى بالوزير سليم جريصاتي
(لوزارة العمل) الذي هو من بين الشخصيات الذين ساهموا بكتابة الدستور السوري، ومعروف بقربه من الرئيس السابق اميل لحود وبموقفه (المناوىء) من المحكمة الدولية»، مشيرا الى انه «يتبيّن من خلال العمل السياسي أنّ النائب ميشال عون لم يُعط ما كان يسعى اليه، فهو يأمل بالتعيينات كاملة له إضافة الى قانون انتخابات يؤمن له الاكثرية».
وأشار شهّيب الى «انّ عون يرى في هذه الحكومة فرصة لن ينعم بها مرة أخرى، ويريد من هذا المنطلق حصر كل المكتسبات بنفسه من خلال الامساك بالادارة وقانون الانتخاب، تحضيرا لاستحقاق الرئاسة»، وقال: «نحن في مقابل عون نسعى إلى ضبط الأمور كي يأخذ الجميع حقّه».
وعن ملف الـ 11 مليار دولار، دعا الى «معالجة هذا الموضوع بشموليته ولمرة واحدة»، لافتا في هذا السياق الى «انّ كلام عون عن السرقة في تلك الفترة، غير صحيح، لان البلد كان معطّلا والمؤسسات ايضاً». 

السابق
الشرق: سليمان لعدم التسييس والافادة من العبر
التالي
التقسيم وارد